بقلم: عبد الحميد صيام في الثاني عشر من شهر أوت الحالي أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم لعام 2024 الذي يغطي 200 دولة ومنطقة وإقليم. وقد بدأت الخارجية تعد هذه التقارير منذ أيام الرئيس الأسبق جيمي كارتر أواخر السبعينيات من القرن الماضي فقد كان الرجل مهتما بهذا الموضوع وتابعه بعد خروجه من البيت الأبيض حيث أنشأ في مدينية أتلانتا بولاية جورجيا معهد كارتر الذي خصص جزءا أساسيا من نشاطه لمسألة حقوق الإنسان ونشر ثقافة السلم والديمقراطية. والتقرير السنوي يرصد ويحلل حالة حقوق الإنسان في جميع الدول التي تتلقى مساعدات أمريكية وجميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة. ومن نافل القول إن الولاياتالمتحدة تنصب نفسها قيّمة على حقوق الإنسان وكأن وضع حقوق الإنسان فيها وصل لدرجة الكمال فلا يظلم فيها أسود ولا يطرد منها مهاجر ولا يعذب فيها سجين خاصة في معتقلها ذي الخمسة نجوم المسمى غوانتنامو ولا يميز فيها ضد مسلم أو يهودي أو بوذي أو هندوسي خاصة من المهاجرين ولا يفصل الأبناء عن عائلاتهم ويوضعون في مراكز اعتقالات على الحدود لترحيلهم ولا تتعرض الشرطة لمظاهرات الطلاب في الجامعات الأمريكية ولم تقم دائرة الجمارك والهجرة المعروفة باسمها الذي يثير الرعب (ICE) بمداهمة واعتقال الطلاب والأساتذة والباحثين من بيوتهم. أما السكان الأصليون ممن سموا زورا الهنود الحمر فحدث ولا حرج عن حقوق من تبقى منهم بعد إبادة الملايين الذين لا يعرف أحد عددهم الدقيق. ومن يراجع التقرير الأول في عهد دونالد ترامب في دورته الثانية يصاب بالدوار والغثاء وينبهر من صفاقة كاتبي التقرير الذين يحورون كل مفاهيم حقوق الإنسان لسببب واحد هو: تبرئة إسرائيل وتجميل وجهها القبيح وتبرير جرائمها التي لا تحصى خاصة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب منذ نحو سنتين في قطاع غزة. *التغييرات الجذرية في هذا التقرير اتسم تقرير هذا العام بهيكلية مختلفة عن تقارير حقوق الإنسان السابقة لكن وزارة الخارجية لم تشر إلى اختلاف تقرير هذا العام اختلافاً جذرياً عن تقارير حقوق الإنسان السابقة ولكنه أشار فقط إلى أن التحليل الكمي لممارسات حقوق الإنسان لم يكن محورا لتقارير هذا العام. كما أضاف التقرير فئات تقييم جديدة لمواضيع مراقبة حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في الحياة و الحرية و الأمن الشخصي وألغى فئات أخرى – مثل حرية التعبير والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد أفراد مجتمع الميم والعدالة البيئية. ووفقاً لمذكرة داخلية لوزارة الخارجية عللت هذه التخفيضات بأنها محاولة لجعل التقارير أسهل قراءة . ومن غرائب الأمور أن تقارير الدول الحليفة والشريكة المهمة لإدارة ترامب كانت أقصر بكثير من السنوات السابقة. فعلى سبيل المثال ذكر تقرير الدولة لعام 2024 عن السلفادور أنه لم تكن هناك تقارير موثوقة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وهو انحراف واضح عن تقرير الدولة لعام 2023 الذي ذكر وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وظروف سجن تهدد الحياة. وفي تقرير الدولة عن إسرائيل لم تُشر وزارة الخارجية إلى الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة ما يشعرك بأن الذين حرروا التقرير من سكان القمر وليس لهم علاقة بالأرض. *حقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين المحتلة سنركز على ما جاء في التقرير من بنود تتعلق بإسرائيل والضفة الغربيةوغزة حيث يشير التقرير إلى نظام العدالة الإسرائيلي الذي يحاكم منتهكي حقوق الإنسان. يقول التقرير: واتخذت الحكومة (الإسرائيلية) عدة خطوات موثوقة لتحديد هوية المسؤولين الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان مع وجود محاكمات متعددة ما زالت معلقة بحلول نهاية العام . وتحت بند القتل خارج نطاق القانون يقول التقرير: وحسب السلطة الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية توفي ما لا يقل عن 43 فلسطينياً في السجون الإسرائيلية خلال العام . فالمصدر من السلطة الفلسطينية ومنظمات غير حكومية. أما المصادر الأمريكية فدائما غائبة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. واستخدم التقرير كلمة مات بدل قتل . وتحت هذا العنوان: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والأدلة على أفعال قد تُشكل إبادة جماعية أو انتهاكات مرتبطة بالنزاع تعتقد أنه سيشير التقرير إلى مجازر غزة. واقرأ ماذا جاء في التقرير حول هذا البند: تواصل حركتا حماس وحزب الله الإرهابيتان استهداف المدنيين الإسرائيليين عشوائياً في انتهاك لقانون النزاعات المسلحة . هل من رعونة وتجن على الحقائق أكثر من هذا؟ فالإبادة والجرائم الكبرى ترتكب ضد الإسرائيليين فقط. وعن حرية الصحافة يشير التقرير إلى أن القانون في إسرائيل ينص بشكل عام على حرية التعبير بما في ذلك حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وقد احترمت الحكومة هذا الحق لمعظم الإسرائيليين. أفادت المنظمات غير الحكومية والصحافيون بقيود السلطات على التغطية الصحافية وتقييد بعض أشكال التعبير لاسيما في سياق انتقاد الحرب أو التعاطف مع الفلسطينيين في غزة. وقد تلقّت نقابة الصحافيين في إسرائيل تقارير عن خمسة اعتقالات لصحافيين و13 اعتداءً جسدياً من قِبل قوات الأمن ضدهم خلال العام. ولا يوضح التقرير نوع الاعتداءات الجسدية هل هي قتل أم ضرب أم تعنيف؟ أما ما يتعلق بقتل نحو 200 صحافي لغاية نهاية 2024 فلا ذكر لذلك في التقرير. ويتابع التقرير تبييض وجه إسرائيل فيؤكد أن إسرائيل حظرت خطاب الكراهية والمحتوى الذي قد يحرض على العنف أو الإرهاب أو التمييز على أساس العرق أو الأصل أو الدين أو الجنسية أو الجنس. وسنّت الحكومة الإسرائيلية بانتظام أوامر حظر نشر معلومات أمنية حساسة ومعلومات تتعلق بالتحقيقات الجارية. ومنح القانون السلطات سلطة تقييد بعض أشكال حرية التعبير في حالات التعبير التي تُعرّف بأنها تحريض على العنف أو خطاب الكراهية. وفي بعض الأحيان أمرت إسرائيل بإغلاق محطات الإذاعة الفلسطينية في الضفة الغربية بتهمة التحريض على سلوك من شأنه الإضرار بالسلامة العامة أو النظام العام بما في ذلك دعم الإرهاب. وعن التعذيب والعقوبة القاسية فهذه تتعلق فقط بالرهائن الإسرائيليين. ويشير إلى أن بعض الرهائن الذين عادوا من أسر حماس تعرضوا لاعتداءات جنسية أو شهدوا اعتداءات جنسية على رهائن آخرين. وروى الرهائن أنهم حُرموا من الطعام والماء والرعاية الطبية الكافية وعانوا من أشكال أخرى من الإيذاء الجسدي والنفسي. وقد أقرت الحكومة بأن جهاز الشاباك والشرطة استخدما أساليب استجواب عنيفة وصفتها ب التدابير الاستثنائية لكن وزارة العدل لم تقدم معلومات عن وتيرة الاستجوابات أو أساليب الاستجواب المحددة المستخدمة. أما عن حقوق الطفل مثل حقه في الحياة والتعليم والصحة والسكن والرفاهية فكل هذا غائب عن التقرير. ولم يتناول التقرير إلا مسألتين يجد فيهما ما يثني على إسرائيل وهما عمالة الأطفال وزواج القاصرات. وأشار التقرير إلى أن عدم وجود أشكال من عمالة الأطفال تستحق الذكر. أما عن زواج القاصرين فقد حدد القانون السن الأدنى للزواج ب18 عاما مع بعض الاستثناءات. أما ما يجري في غزة من مقتلة للأطفال فغابت عن تقرير الدولة الأقوى في العالم. هذا تقرير تحلف صادقا أنه صيغ في مكتب نتنياهو وحلفائه في البيت الأبيض فهل ننتظر العدالة من مثل هذه الدولة التي تشوه كل ما توافق عليه البشر من مبادئ وقواعد لحقوق الإنسان؟