رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    بطولة وطنية لنصف الماراطون    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تزدهر بها الحرف و البزنسة و تستقطب المتنزهين والمتسولين و المنحرفين
نشر في النصر يوم 31 - 03 - 2012

المقبرة المركزية بقسنطينة فضاء مفتوح لاستقبال "أحياء" ينتهكون حرمة الموتى
بمجرد أن تطأ قدماك بوابة للمقبرة المركزية بوسط مدينة قسنطينة، وهي عينة لما يحدث بباقي المقابر بالمنطقة، تحاصرك ظواهر و سلوكيات لا أثر فيها لاحترام هيبة الموت و حرمة الموتى، بدءا بجحافل المتسولين الذين يحضرون إليها خاصة في نهاية الأسبوع عندما يرتفع عدد الزوار ليمارسوا حرفة التلاعب بالمشاعر وابتزاز الأحزان، باستعمال الأدعية أو تلاوة القرآن أو التظاهر بفقدان نعمة البصر أو الإعاقة الحركية أو حمل أوراق لشرح الوضعية الاجتماعية الصعبة و يتعمد بعضهم ارتداء ملابس تنكرية غريبة و كأنهم خرجوا للتو من أحد أفلام الرعب لألفريد هيتشكوك.
ناهيك عن تفشي "موضة"اصطحاب الزائرات لأطفالهن الصغار،خاصة في العطل الأسبوعية و المدرسية و الأيام المشمسة عموما، كأن الأمر يتعلق بنزهات في الهواء الطلق للتسلية و الترفيه و تبادل الأحاديث و الآراء، مع حمل كل زائر تقريبا لقارورة ماء لسقي و تننظيف القبور و الشرب إذا استلزم الآمر ثم الإلقاء بها فارغة إلى جانب الأكياس البلاستيكية هنا و هنائك إلى جانب أكوام ملابس الموتى التي لا يتردد المتسولون في التخلص منها بين الممرات إذا لم تعجبهم،و نفايات السكان بالأحياء المجاورة، مما يحول مدينة الأموات بسرعة إلى ما يشبه المفرغة العمومية في معظم أيام الأسبوع .و عن صيانة القبور حدث و لا حرج فبين المهملة المغطاة بالأعشاب الكثيفة و النباتات الضارة و أغصان و جذوع الأشجار و أصناف النفايات و المياه، تجد تلك المائلة و المحطمة الشواهد و الرخام و المحفورة العارية تقريبا من التراب و المغيبة المعالم المنسية. كما حولت أضرحة إلى أماكن تستقطب القمامات بأنواعها
تهافت تجار الأعشاب العطرية و القبور
بالمقابل تزدهر بالمقبرة التجارة و "البزنسة" بمختلف أنواعها، بدءا ببروز "موضة" بيع البنفسج "البليري"للزوار أمام البوابة الكبرى في فصل الربيع ،كخطوة نشر عادة أوروبية دخيلة على مجتمعنا تتمثل في إهداء الموتى زهورا. إلى جانب استقطاب المكان لباعة الأعشاب العطرية و السبانخ (السلق) و الخبيزة (الخبايز) و "الحرشة" و "الشبت"...فهناك يمكنهم قطف ما يريدون دون رقيب. و علمنا من مصدر مسؤول بالمؤسسة العمومية البلدية لتسيير المقابر بأن أشجار الزيتون المغروسة هناك لها "زبائنها" الذين يواظبون على الحضور كل موسم لجني الزيتون بدعوى عصره و استهلاكه و تحظى بنفس الإقبال تقريبا أشجار التين و التوت. و يستغل الكثير من أطفال الأحياء المجاورة، أيام العطلة المدرسية الربيعية التي تشهد أوج توافد الزوار، لبيع الماء و عرض خدمة تنظيف القبور. في حين لا أحد من فئات التجار فكر في العودة لعرض خدمة تلاوة سور قرآنية على الراحلين مقابل مبالغ مالية . في حين تجد يوميا نفس العامل بالمقبرة، يمارس نشاطه غير الرسمي المفضل: ما إن يشاهد أهل ميت يزورون قبره بعيون دامعة، حتى يهرع نحوهم لتلاوة الفاتحة على روحه و الدعاء له على طريقته. على أمل جمع مصروف الجيب. و لا يختلف اثنان عن الازدهار المستمر ل "بزنسة" العديد من العمال في اختيار أماكن الدفن الأقرب إلى الجهة العليا من المقبرة و لو انتهكت حرمة قبر آخر أو سلب جزء من ممر و كذا السرعة في الحفر وبناء القبور أو صيانتها ...فالمال و المحسوبية و النفوذ أدوات فعالة لتحقيق المآرب في مدينة الأموات أيضا ... إلا من رحم ربك.
منحرفون و مرضى عقليا يتسربون إلى المقبرة
من حين لآخر يتسرب من الجهة المتاخمة لحي المنشار و النجمة من الشطر المنهار من الجدار الذي يحيط بالمقبرة، مجموعة من الشبان و المراهقين المنحرفين الذين يختارون ضحاياهم خاصة من الجنس اللطيف و يتظاهرون ببيع صفائح المياه البلاستيكية لتنظيف القبور ليبتزوهن تحت التهديد قال مدير مؤسسة المقابر محذرا من هذه الممارسات المنعزلة التي يتصدى لها عمال المقبرة قدر الامكان و لو كان عددهم حسبه كافيا لقضوا نهائيا عليها. و ذكر بأنه تعرض شخصيا لضربة بالسكين على مستوى الرأس، كلفته 12 غرزة لخياطة الجرح العميق فقد شاهد شابا يقف مطولا أمام قبر و هو يصرخ و يسب و يشتم. و عندما اقترب منه هاجمه و طعنه، ليتضح لاحقا بأنه مختل عقليا. و ماخفي من الاعتداءات أعظم .
قبور ترسخ الطبقية و التعددية
بمدينة الأموات الطبقية جلية، فالكثير من الموتى الميسورين يصمم ذويهم على بناء قبور رخامية مزركشة و منمقة كالفيلات و القصور التي كانوا يعيشون فيها، أما الفقراء فمن الأكواخ إلى التراب و الحجر .و قد لاحظنا التفنن المتزايد في بناء القبور و تنوع مواد البناء مقارنة بالسنوات الماضية. فالآجر حاضر إلى جانب الرخام و الفسيفساء و "الغرانيت "و الاسمنت و الحجر. و كل أشكال و أنواع الشواهد موجودة المهم أن تثبت بشكل جيد ليطول عمرها إذا لم تسرق أو تتحطم . و الملاحظ أن عددا متزايدا من القبور تضم شاهدين في نفس الوقت . ففي ظل اكتظاظ المقبرة و انتشار عادة وصية الميت بدفنه في قبر قريبه .
إلهام.ط
بدعوى الامتثال للوصايا و احترام العادات
التهافت على دفن الموتى في قبور أقاربهم بدل حفر قبور جديدة لهم
لا يمكن إلا أن تلفت انتباهك إذا زرت المقبرة المركزية بقسنطينة، بأن الجهة العلوية منها جد مكتظة حتى الممرات الضيقة التي كانت تسمح بالحركة و التنقل بين القبور اختفت الغالبية العظمى منها لتجتاحها القبور بشكل مكثف. فأغلب أقارب الراحلين استغلوا كل الطرق و الوسائل من نفوذ و سلطة و جاه و محسوبية و مال للفوز بها .خاصة و أن كل قبر يضمن دفن ميتين اثنين من نفس العائلة في مكان قريب يسهل زيارتهما . نعم ...فالموضة السائدة في السنوات الأخيرة و التي أصبحت بمثابة العادة الراسخة في الأذهان،هي دفن قريبين مثل الأم و الابنة أو الزوج و الزوجة ...في قبر واحد و بالتالي تحمل نسبة كبيرة من القبور شاهدين إثنين في الجهتين الأمامية و الخلفية و كل شاهد يحمل بيانات هوية مختلفة.
يحدث هذا رغم أن قسنطينة تضم 11 مقبرة أخرى غير مكتظة ،إلى جانب المدافن الخاصة و لا تزال الجهة السفلى من المقبرة المركزية نفسها تضم بعض الأماكن التي يمكن أن تستغل كقبور جديدة ،بدل مواصلة استغلال القديمة يوميا و بشكل مكثف. و قد شاهدت صباح الاثنين حفار قبور يقتلع شاهدا و يضعه في الممر ثم ينهمك في فتح قبر جدة بحضور أحد أقاربها و يخرج من بين أكوام التراب رفاتها ليجمعها داخل كيس قمامة أسود، و يواصل الحفر بفأسه الحاد ليجهز كل شيء لدفن حفيدتها بعد الظهر. الحفار شرح لنا و قد أصيبت يداه بجروح و علامات الارهاق واضحة على ملامحه السمراء التي تتصبب عرقا: "إن حفر قبر جديد أسهل بكثير خاصة إذا كان القبر القديم المراد فتحه مبني بطوب و مواد صلبة جدا." و تدخل قريب الفقيدتين رحمهما الله ،ليشرح بتأثر شديد:" من الطبيعي أن تحب الحفيدة جدتها ،لهذا أوصت جميع أفراد العائلة بدفنها معها بنفس القبر و لم يكن أمامنا سوى احترام وصيتها . أنا شخصيا ضد تنفيذ مثل هذه الوصية التي تجعلنا ننتهك حرمة قبر بنبشه و إخراج رفاته و أعتبر ذلك مكروها و حراما .للأسف طغت العادات و التقاليد على الكثير من القيم و لم يسلم منها الموتى." و بين عون آخر بأن شجارات عديدة و مشاكل لا حصر لها تنشب بين الحفارين و أهل الموتى لانقسامهم بين مؤيدين لفكرة فتح قبر قديم لقريب راحل و فكرة حفر قبر جديد لفقيدهم المتوفي حديثا . وذكر آخر حادثة من هذا النوع، فقد صمم أخ ميت توفي منذ سنوات على عدم "إزعاجه" و الاعتداء عليه بفتح قبره لدفن ابن أخيه و عندما لم يستطع إقناع باقي أفراد عائلته بموقفه و تفاقم النزاع ليصل إلى الصراخ و الشتم، أخرج سكينا من جيبه و وقف تصوروا فوق القبر مهددا كل من يقترب منه. و لولا تدخل كبار العائلة لأفلتت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.و يرى أحد الزوار بأنه من الطبيعي و العادي الجمع بين أمه و أبيه في قبر واحد لأن الموت فرقت بينهما لسنوات طويلة عندما رحل قبلها و لا دخل للاكتظاظ في المقبرة أو التقاليد في تنفيذ وصيتها . و أوعز مدير المؤسسة العمومية البلدية لتسيير المقابر،هذه الظاهرة للاكتظاظ الكبير للمقبرة المركزية ،مشددا بأنه لا يمكن فتح قبر لدفن ميت آخر من أقارب الفقيد إلا إذا تقدم أقارب الراحلين بطلب للإدارة تتم دراسته قبل الترخيص بذلك . و لايتم فتح القبر القديم إلا بحضور محافظ المقبرة بعد التأكد من انقضاء خمس سنوات و يوم واحد من تاريخ وفاة صاحب القبر الأصلي كما ينص القانون الذي ينظم العملية .
لجنة الفتوى لنظارة الشؤون الدينية و الأوقاف
اتصلنا بمكتب الفتوى التابع لنظارة الشؤون الدينية و الأوقاف بقسنطينة ، فقالت المسؤولة عن المكتب حول الظاهرة "اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن فيه المسلم وقف عليه مادام منه شيء موجود فيه ... جزء منه حتى يفنى فإذا فني حينئذ يدفن فيه غيره . أما إذا بقي منه شيء ما من عظامه، فالحرمة قائمة لجميعه و لا يجوز أن يحفر عليه و لا يدفن معه غيره و لا يكشف عنه اتفاقا، إلا أن يكون موضع قبره قد غصب (مكان الآخر) ومادام القبر حبسا على صاحبه ،فالحق له فيه لأن الحبس عليه ومن تجرأ عليه فقد فعل حراما (كما ورد في شرح عليش على مختصر خليل)
و شرح من جهته الإمام الشيخ محمد ،عضو لجنة الفتوى بأن المعطيات الطبيعية و الجغرافية و الدينية تجيز دفن موتى فوق اخوانهم كل ثلاثة أو ستة أشهر للضرورة بمقبرة البقيع ، مشيرا إلى أن درجة الحرارة العادية هناك تفوق الأربعين و يسقط يوميا عشرات الموتى في موسم الحج و رمضان . بينما عندنا درجة الحرارة أقل و عملية التحلل تستغرق وقتا أطول و لدينا مساحات و اسعة من الأراضي لدفن موتانا و بالتالي لا يمكن تقليد ما يحدث بالبقاع المقدسة و تجنب دفن ميت فوق آخر هو الأصل ، ما لم تكن هناك ضرورة قصوى ..فحرمة الميت المسلم كحرمته حيا .
إ.ط
تزدهر نشاطاتهم في إجازات نهاية الأسبوع و العطل
أطفال يبيعون الماء وينظفون القبور
تستقطب الجهة العليا من المقبرة المركزية أطفالا في سن الزهور يبيعون الماء في صفائح بلاستيكية للزوار و يعرضون عليهم التكفل بسقي و تنظيف قبور ذويهم بإلحاح ، متفنين في توزيع الأدعية التي حفظوها عن ظهر قلب ،كما يبدو عليهم وعلى الراحلين ، على أمل جمع ما تيسر من نقودهم...اقتربنا منهم بحثا عن أجوبة لأسئلتنا الكثيرة، لكن معظمهم رفضوا التحدث عن كل ما يتعلق بنشاطهم ذاك و ركضوا ليختفوا عن أعيننا بين القبور لاقتناص المزيد من الزبائن . في حين رد بعضهم باقتضاب عن بعض استفساراتنا فأخبرونا بأنهم متمدرسون و ينتمون لأسر ذات دخل محدود ، لا تستطيع توفير كافة احتياجاتهم الكثيرة من ملابس و لوازم مدرسية و بالتالي لا تعترض على عملهم و لو في المقبرة ،مؤكدين بأنهم لا يمارسون هذا النشاط عادة إلا في إجازات نهاية الأسبوع و العطل المختلفة عندما يزداد عدد الزوار و كلما تحسنت الأحوال الجوية ، ازدهرت "تجارتهم" أكثر فأكثر ..
لقد استغل هؤلاء الصغار الذين تتراوح أعمرهم بين 9 و 15 عاما تقريبا ،الغلق النهائي بقرار إداري ، للحنفية التي كانت متواجدة بمدخل الجهة العليا من المقبرة، لبيع مياه يحضرونها من الحنفية المفتوحة بالجهة السفلى من مدينة الأموات الممتدة عبر 19 هكتارا ... و أحيانا من بيوتهم المجاورة. و المؤكد أن عطلة الربيع تشهد أوج نشاطهم .
وائل:العديد من زبائني من المغتربين الذين يدفعون " اشتراكاتهم " بانتظام
يرتدي الطفل لؤي ملابس رثة بالية و لا تفارق الإبتسامة ملامحه الطفولية الجميلة و هو يتدفق نشاطا وحيوية ، باحثا عمن يشتري منه الماء و يطلب منه مرافقته إلى قبر عزيز رحل ، لينظفه و يسقيه صبيحة الجمعة المباركة .و ما إن شاهد سيدة مسنة أنيقة يدل مظهرها و لهجتها بأنها مغتربة تقترب من بوابة المقبرة حتى ركض نحوها بحماس و قال لها بصوت مرتفع بأنه ملتزم باتفاقيتهما المبرمة منذ حوالى سنتين ، فلم تلبث أن أخرجت من حقيبتها اليدوية أوراقا نقدية سلمتها له و طلبت منه مرافقتها إلى قبر ابنها ...و بعد أن انتهى من عمله هناك شارك العجوز قراءة الفاتحة و الدعاء للفقيد ثم عاد إلى الجهة العلوية...و في طريقه إلى البوابة بحثا عن زبائن آخرين قال لنا : " عمري 14 عاما، و أسكن مع أسرتي في الحي المتاخم للمقبرة و أدرس في السنة الأولى متوسط . لا أقوم بهذا العمل للإنفاق على أسرتي ، فأبي يعمل و دخله يكفي لتوفير احتياجاتنا الأساسية أنا و أمي و أخي . أعمل لكي أجمع بعض النقود لشراء ملابس و لوازم و كتب مدرسية . و لا يؤثر عملي على دراستي فنتائجي متوسطة أملأ الماء في صفائح بلاستيكية من البيت ثم أحضرها كل جمعة و سبت لأنظف القبور." و علمنا من محيطه بأن العديد من زبائنه من المغتربين الذين يحضرون إلى البلاد كل ثلاثة أو أربعة أشهر... و أول شيء يقومون به في معظم الأحيان، زيارة موتاهم. و عندما يقترب موعد سفرهم يقدمون له مبالغ مالية لا بأس بها، لكي يواصل الاعتناء بقبور أحبائهم في غيابهم . و إلى جانب هؤلاء لديه زبونات وفيات من جاراته و قريباته ، و هنا يكمن سر شهرته مقارنة بباقي أطفال المقبرة. سألناه بفضول:" ألم تشعر قط بالخوف و أنت تعمل في المقبرة؟". رد ضاحكا : " كيف أخاف من الموتى إنهم لا يؤذون .. . أنا أسكن قرب المقبرة، تربيت هنا و كنت أحضر مع جيراني منذ كنت طفلا صغيرا و هذا العمل يوفر لي مصروفي ". ورفض الرد عن سؤالنا حول "أقدميته" في ممارسة هذا النشاط و إذا كان سيواصله حتى عندما ينتقل للدراسة في الثانوية .
نبيل : أجمع 300 دج تقريبا يوميا من بيع الماء
نبيل يبدو أكثر تحفظا من زميله لؤي في ما يتعلق بالحديث عن نشاطه بالمقبرة ،لكنه يبدو أكثرحماسا في ممارسته و ينافس باقي الأطفال في استقطاب الزبائن ، عارضا مجموعته المتنوعة من الصفائح و الدلاء والقوارير البلاستيكية و خدماته المتنوعة من تنظيف و غسل و سقي و نزع الأعشاب الضارة ...قد يضطر أحيانا لإزاحة منافس بنهره و زجره و تخويفه . و "قد تتحول أوعية الماء فجأة إلى أدوات للشجار " ،همس في أذننا طفل ثالث . و الغاية تبرر في نظره الوسيلة ،فقد قال بأنه يعمل و يتعب طوال النهار في الصقيع و القيظ و لا يجمع في نهاية المطاف سوى 300 دج . بينما أحلامه كبيرة جدا تتجاوز أسوار المقبرة ، و لن يتردد في ممارسة أعمال أخرى إذا أتيحت له الفرصة بعد أوقات الدراسة ، مشيرا إلى أنه يدرس بالمتوسطة القريبة و يسكن في الحي الشعبي المجاور و لا يتجاوز عمره 14 عاما و شدد بأنه ينتمي إلى عائلة متوسطة الحال لا تحتاج إلى مساعدته المادية ، لكنه يريد أن يعتمد على نفسه في شراء ملابس جديدة و أنيقة يتباهى بها أمام أقرانه .
عبد الصمد : هذه أول تجربة أخوضها بالمقبرة
بعد تردد قال لنا طفل ثالث في نفس عمر زميليه تقريبا، بأنه يخوض تجربة عرض خدمات تنظيف و صيانة و سقي القبور لأول مرة على الزوارصباح يوم الجمعة و لا يعرف إذا كان سينجح أم لا في هذا العمل الجديد بالنسبة إليه الذي يتطلب حسبه الجرأة و الكثير من الجهد و الوقت .و شرح: "الكثير من أصدقائي و جيراني يعملون هنا في أوقات فراغهم . و قالوا لي بأنهم يجنون مبالغ لا بأس بها ،يساعدون أسرهم في مصروف البيت و يدخرون الباقي لشراء ما يريدون ...و أنا بحاجة إلى أشياء كثيرة لهذا سأحضر من حين لآخر و بمرور الوقت سأتعلم كل شيء . لكن دراستي تأتي قبل كل شيء فأنا أتمنى أن أصبح طبيا ."
إلهام .ط
فيما يحذر الحفارون من تفشي ظاهرة السحر و يشتكون ظروف عملهم الصعبة
العثورعلى تمائم و ملابس مكتوبة بالعبرية و بيض ملفوف في الكفن و أقفال داخل القبور
حذر حفارو قبور من تفشي ظاهرة السحر و الشعوذة بالمقبرة المركزية، مؤكدين بأن القبور "المنسية"لم تعد وحدها المستهدفة من قبل أشخاص لا وازع ديني ولا أخلاقي يردعهم، فقد طالت أياديهم الآثمة حرمة القبور الجديدة أيضا، لتدفن داخلها "الحروز" و التمائم و قطع أقمشة و ملابس داخلية تحمل كتابات بالعبرية و كذا الخيوط و خصلات الشعر و الأقفال و السكاكين و القوارير و البيض الملفوف بالكفن و رؤوس الوزغ وغيرها . كما تسرق ترابها لممارسة طقوسا مماثلة. قد ضبط أحد الحفارين مؤخرا امرأة تخضب يديها بالحناء أمام قبر و هي تتمتم بعبارات مبهمة ...عن هذه الظاهرة و أسرار أخرى تتعلق بحرفتهم الصعبة التي طالما أحيطت بالأساطير و الخرافات و المخاوف تحدث مجموعة من الحفارين إلى النصر فكانت هذه الإفضاءات .
بوزيد :أصبت بالصمم بعد أن فتحت قبر امرأة لدفن قريبتها معها و كل من يراني يرى قبورا
قال د. بوزيد بنبرة حزينة :"أنا أقدم حفار قبور يعمل هنا، فعمري الآن 57 عاما . بدأت ممارسة هده الحرفة في سنة 1989 و كنت في ريعان الشباب و العنفوان و بالتالي لم أكن أشعر بالتعب الشديد و المرض مثل هذه الفترة، لكنني مضطر للعمل بنفس الوتيرة، لأن مواراة الموتى التراب من الأعمال التي لا تنتظر و لا تؤجل. و عدد الحفارين قليل. أحفر يوميا بين 2 و 3 قبور و أحيانا 5 قبور في موسم القيظ و العطل.و لطالما صادفت أشياء غريبة و مقززة تدل على تزايد الإقبال على السحر و الشعوذة بمجتمعنا و استعمال القبور لأغراض دنيئة. وجدت أثناء الحفرعلى سبيل المثال لا الحصر رؤوس وزغ و قوارير تحتوي على سوائل نجسة و خصلات شعر ملفوفة و تمائم مختلفة ...و لا أفهم كيف يمكن لإنسان يدعي أنه مسلم أن يسمح لنفسه بانتهاك حرمة الموتى بأفعال مشينة كهذه .صراحة لو الزمن يعود إلى الوراء لصممت على البحث عن مصدر رزق آخر...أتذكر أنني كنت شابا بطالا و سمعت بأن البلدية توظف عمالا فأرسلت طلب توظيف سرعان ما قبل و تم توجيهي إلى هنا.عندما جئت صادفت حفاري قبور قدامى و قضيت الفترة الأولى أتابع نشاطاتهم من حفر ودفن دون أن أجرؤ على القيام بها، لأنني أشعر بالخوف و الهلع .و عندما أعود إلى البيت أتخيل الموتى و الجنائز و يتضاعف خوفي، لكن زملائي شجعوني لاحقا لأتولى حفر القبور و أترك لهم المهمة الأصعب و هي دفن الموتى .و في المرحلة الثالثة تدربت جيدا و تغلبت على كل المخاوف و أصبحت أعتمد على نفسي في العمليتين.لاحظت أن زوجتي أيضا تدربت تدريجيا على تقبل عملي و أدركت بأن لا خيار أمامي لتوفير لقمة العيش لها و لأبنائنا الصغار حتى عندما أعود بثياب ملطخة بدماء الموتى و الأوحال تغسلها و لاتحتج .و المثير أن كل من يراني من جيران ومعارف يرى قبورا أمامه...فلا يتردد معظمهم في التحدث إلي عن عملي و يوصوني بفتح قبور أقاربهم المقربين عندما يحين أجلهم المحتوم ودفنهم معهم.و لا يتردد جيراني و أقاربي في طرق بابي ليلا لأحفر قبر أحد الراحلين، مما جعلني أفهم بأن لا أحد حولي ينظر إلي إلا كحفار للقبورحتى بعد أن أعود إلى بيتي رغم أن هذه الحرفة جاحدة و لا نجني من ورائها سوى المتاعب والأمراض و راتب لا يكفي لتلبية احتياجات أسرنا .أنا مثلا أب لسبعة أبناء كبار و راتبي يتراوح بين 22000 و 24000 دج، إذا أضفنا كل العلاوات. و أنفق يوميا 200دج في وسائل النقل لأنني أقيم بين المدينة الجديدة و عين السمارة .كما أن ظروف العمل جد قاسية. تصوروا أنني عندما أحفر القبور تحت المطر و الثلج و وسط الأوحال و تتبلل ملابسي و تتسخ ،لا أجد مكانا أتدفأ فيه و أجفف ملابسي.و أتقاسم هذه المعاناة مع باقي زملائي. فالكوخ المخصص لتغيير ملابسنا لم يتم إيصاله بالغاز الطبيعي لحد اليوم و بالتالي لم نزود بالمدفأة الحلم . لو بقيت الصحة على ما يرام لاهان الأمر. عندما كلفت بفتح قبر امرأة لم يمض وقت طويل على وفاتها، لكي تدفن بنفس القبر قريبتها ،انبعثت منه روائح التحلل الكريهة و إذا بالحبوب تكسو كافة أنحاء جسدي و انتفخت أذني، فاضطررت للذهاب إلى المستشفى و وصف لي الطبيب العلاج.و لم ألبث أن شفيت من المرض الجلدي لكن أذني لم تشف و فقدت تدريجيا القدرة على السمع بها .و لم يصنف مرضي ضمن الأمراض أو الحوادث المهنية".
العربي:أعاني من أزمة السكن و من ضعف الراتب الشهري
ركز ب. العربي، البالغ من العمر 50 عاما ،على وضعيته الاجتماعية الصعبة ،في رده على سؤالنا عن عمله حيث قال :" أقيم أنا و زوجتي و أبنائي الأربعة المتمدرسين بغرفة واحدة في منزل صهري بأعالي حي الجباس لأنني لا أملك سكنا خاصا بي. لقد أرغمتني الظروف على العمل منذ 1989 كحفار قبور لأنني لم أعثر على عمل آخر إنه المكتوب و القضاء و القدر و لا مفر منه .العمل صعب لكن الظروف المحيطة بي أصعب. أضطر في أحيان كثيرة ،عندما لا أصادف في طريق العودة إلى البيت في المساء، سيارات "الفرود" لأنها وسيلة النقل الوحيدة التي يمكن أن تضمن لي الوصول راكبا ، إلى المشي على قدمي طيلة ساعة و نصف تقريبا ،فأجمع بين تعب الحفر و الدفن و السير في الطريق الجبلي الوعر .وعندما أصل أجد نفسي في حالة يرثى لها . أعتقد أن جميع أفراد أسرتي و أقاربي و معارفي يقدرون ظروفي و يعتبرون عملي عاديا و يتقبلوه دون مشاكل أو مخاوف... كما أنني أقيم في منطقة شبه منعزلة و لا يوجد حولنا الكثير من الجيران ... و تكمن مشاكلي الحقيقية في ضعف راتبي مقارنة بغلاء المعيشة و حرماني من سكن لائق يأو أنا و أبنائي."
نور الدين عمراني: العمل بالمقبرة أفضل من المقهى
أسر إلينا زملاؤه بأنه أكثرهم نشاطا و إقبالا على العمل رغم أنه أصيب منذ سنوات بمرض في ظهره و عموده الفقري حتم عليه استعمال الحزام الطبي عندما يبذل جهدا كبيرا في الحفر .لاحظنا بأن يديه متورمتين و مجروحتين فهو على غرار باقي حفاري القبور الموجودين هناك لا يستعملون القفازات التي توفرها لهم الادارة ، كما كان جبينه يتصبب عرقا بعد يوم طويل و شاق من الحفر و الدفن،و قبل أن نسأله عن شيء بادر بالقول:"اسمي نورالدين عمراني 47 عاما ،المهم أنني أتقاضى راتبا من الدولة الجزائرية و مهما كان ضعيفا فهو يغنيني عن التسول لتوفير اللقمة لي و لزوجتي و أبنائي الخمسة . أنا راض ب20000 دج إلا 20 دج و ...البركة . قبل 20 عاما كنت أعمل بمقهى و بادر صديقي إلى كتابة طلب توظيف باسمي إلى البلدية و تم قبولي و وجهوني إلى هنا .. كنت سعيدا لأنني وجدت عملا قارا يوفر لي و لأفراد أسرتي الإستفادة من التأمين و كافة خدمات الضمان الاجتماعي. وسرعان ما تعودت على هذا العمل و أعجبني أكثر من عملي السابق بالمقهى .و لا أنكر بأن حفر قبر جديد أسهل بكثير من فتح قبر قديم لدفن ميت مع قريبه بناء على وصيته . الحمد لله في كل الأحوال ."ختم محدثنا كلامه، و لاذ بصمت مهيب .
فاتح بالهولة: عثرت على قطع ملابس داخلية رجالية في 20 قبرا و سرق التراب من 10 قبور أخرى
يعتبر فاتح بالهولة أصغر موظف بالمقبرة المركزية فهو لم يتجاوز ربيعه ال26 و قد تم تشغيله منذ أربع سنوات في إطار الشبكة الاجتماعية كحارس و سرعان ما أصبح متعدد المهام و في مقدمة مهامه الاضافية حفر القبور .قال عن تجربته بحماس : "كنت أقيم مع أفراد أسرتي في منزل قريب من المقبرة، وقضيت طفولتي فيها أتجول و ألعب و أتابع ما يفعله حفاري القبور باهتمام و أسألهم بفضول عن عملهم .لم أشعر قط بالخوف من الجنائز و أصبحت أنظر للموت على أنها الوجه الآخر للحياة و لا مفر منها و لا داعي للتهرب من مظاهرها و رموزها الطبيعية. وعندما كبرت و لم أجد عملا فكرت بسرعة بالمقبرة و فرحت كثيرا عندما وظفوني حارسا فبها . فأنا أدرك بأن العمل الشريف ليس عيبا مهما كان مكانه ونوعيته، عكس الكثير من الشبان ممن في مثل سني .لم أخف طبيعة عملي على أهلي و جيراني و أصدقائي وحتى عندما أتعرف على فتاة أخبرها . ربما صراحتي أبعدتني عن الكثير من المشاكل و المطبات ، وجعلت كل الناس يحبونني و يقدرونني و يسلمون علي. استأذنت مدير المقبرة قبل سنتين ونصف في المبيت في غرفة صغيرة قرب بوابة المقبرة العليا ،لأحرس المكان ليلا أيضا و لكي أخفف عن أسرتي المتعددة الأفراد ضيق المنزل المتكون من غرفتين لا غير، فوافق .و هكذا أصبحت هذه المقبرة محور حياتي ليلا ونهارا أقوم فيها بكل الأعمال عن طيب خاطر... أحفر و أدفن و أنظف و أحرس و لا أرفض أي شيء يطلبه مني زملائي و المواطنين ...أثناء الأربع سنوات التي قضيتها هنا لاحظت سلوكات كثيرة غير مقبولة يقوم بها الزوار بالمقبرة كالصراخ و الشجار و الكلام البذيء، لكن أخطرها على الاطلاق التهافت على أعمال "الربط" و السحر و الشعوذة .. لقد عثرت مثلا، داخل قبر رضيع على ثلاثة أقفال و سكين مطوي . و و جدت في 20 قبرا لموتى راشدين قطعا من ملابس داخلية كتب عليه بحروف مقلوبة العديد من الجمل التي أثارت فضولي فقرأت بعضها ،و فهمت أن نساء دفنها لأنهن يعتقدن بأنهن بذلك نجحن في "ربط" أزواجهن و منعهم من خيانتهن والارتباط بأخريات.. . و من بين الظواهر الجديدة التي تفاقمت في الشهور الأخيرة و أثارت انتباهي سرقة التراب من القبور الجديدة بشكل مكثف لاستعماله في الشعوذة . و أنا الآن أراقب 10 قبور من هذا النوع لعلني أضبط المجرمين متلبسين بجرمهم. و في سياق الحديث تحضرني حادثة عشتها في فيفري الماضي، كانت الثلوج تغطي كل أرجاء المقبرة ليلا وكنت مع صديقين من جيراني نراقب المكان، و إذا بنا نسمع و كأن سلاسل حديدية تسحب بقوة من داخل قبر شيخ كان معروفا بممارسة السحر، فهربنا بسرعة. و لأول مرة شعرت بالخوف بالمقبرة."
الخوجة:وجدت امرأة تخضب يديها بالحناء أمام قبر
اسمه الخوجة ،43 عاما، لم توظفه مصالح البلدية مثل زملائه، لكنه حفارقبور متعدد المهام ،ينشط بشكل غير رسمي داخل المقبرة و خارجها منذ 23عاما ،لكي يتمكن من إعالة زوجته و ابنيه الصغيرين، قال عن مساره و أسراره:"أثناء عملي بالمقبرة صادفت العجب العجاب من الأفعال و الأعمال ذات العلاقة الوطيدة بالسحر و الشعوذة و لاحظت أن الاقبال على ممارستها في ازدياد بمجتمعنا، ربما لتفاقم المشاكل الاجتماعية و الأسرية و الزوجية و ضعف الايمان و انهيار القيم و الأخلاق .لقد رأيت مؤخرا بمحض الصدفة امرأة تجلس أمام قبر مطولا و عندما اقتربت منها اكتشفت أنها منهمكة بتخضيب يديها بالحناء و هي تتمتم بعبارات غير مفهومة .و لم تلبث أن صرخت من هول المفاجأة عندما ناديتها موبخا .و ألقت بوعاء الحناء جانبا و قالت لي:" اذبحني" فأجبتها :"لا ..سيذبحك الزمن". و ابتعدت عنها،و أنا أدعو لها بالتوبة و الغفران و لم أرها منذ ذلك اليوم بالمقبرة و لو صادفتها مرة أخرى تمارس السحر و الشعوذة لتقدمت بشكوى ضدها.و قد وجدت في القبور أشياء و مواد كثيرة غريبة ، أحيانا ألقي بها في دورة المياه أو أحملها لراق لكي يرشدني إلى كيفية إبطال مفعولها .تصوروا أنني شاهدت صدفة فوق شجرة صنوبر قارورة معلقة بخيط .و دفعني فضولي لتسلق الشجرة و فتحها ، فوجدت داخلها مزيجا من سوائل غريبة و مواد معدنية .و اكتشفت أثناء حفر القبور أن العديد منها تضم قطع ملابس داخلية رجالية كتبت عليها بالعبرية عبارات تدل على أعمال "ربط" و سحر "بطلاتها" نساء يعتقدن بأنهن ضمن بذلك عدم خيانة أزواجهن.كما وجدت في قبر بيضتين ملفوفتين في الكفن و عندما كسرت إحداهما شاهدت داخلها سائلا جامدا أسود اللون كالفحم و الثانية عادية. أما قطع الصابون التي استعملت في غسل الموتى فتدفن بالقبور كل يوم تقريبا لأغراض مرتبطة بطقوس السحر و الشعوذة . و ما خفي كان أعظم .بصراحة لم أختر العمل هنا إنما هذا العمل يبدو أنه اختارني. لدي سوابق قضائية تلاحقني منذ كنت طفلا، و كلما أبحث عن عمل توصد في وجهي الأبواب بمجرد الاطلاع على سجلي . لم أجد بدا من استغلال سكني قرب المقبرة لأتعلم كل ما يتعلق بالجنائز .أتذكر أول ميت طلب مني أن أقوم بغسله و تكفينه و تجهيزه للدفن. إنه حاج من جيراننا كانت لحظات صعبة و مؤثرة لن أنساها.و سرعان ما تعودت على ذلك و تعلمت حفر القبور و الدفن و بناء القبور و كل ما يتعلق بعالم الأموات و أصبحت معروفا بالمنطقة يتصل بي الراغبون في خدماتي،فأهرع إليهم دون أن أشترط أجرا معينا .أعيش على ما يقدمونه لي من إكراميات و مساعدات بسيطة و أنا قنوع بذلك . و كلما أرجوه لفتة من المسؤولين لإنقاذي على الأقل من أزمة السكن ،فأنا أقيم مع أسرتي في غرفة آيلة للسقوط في ظروف مزرية و كأننا في الشارع "..
إلهام.ط
مدير المؤسسة العمومية البلدية لتسيير المقابر للنصر
صيانة و تنظيف القبور يتكلف بهما أهل الموتى
قال العيد غمراني، مدير المؤسسة العمومية البلدية للمقابر، بأن مؤسسته تشرف على تسيير و تنظيم 12 مقبرة رسمية ببلدية قسنطينة ،في حين يوجد حوالى 22 مدفنا غير رسمي يملكها خواص أغلبها موزعة بالمناطق الجبلية، و لا تخضع للإجراءات السارية المفعول بمقابر مؤسسته مثل تقديم شهادة الوفاة و رخصة الدفن و غيرها .مشددا بأن أكبر مشكل يواجهه حاليا في عمله نقص الامكانيات المادية و البشرية . حيث يعمل بالمقابر المذكورة 12 عونا متعددي المهام ،يعانون من الارهاق المزمن و يواجهون العديد من المشاكل الصحية و الاجتماعية .كما ندد بسلوكات العديد من الزوار الذين لا يراعون حسبه حرمة الأموات و يأتون "للتنزه" مع أطفالهم و نشر الفوضى و الضوضاء و يرمون بالقمامة في كل مكان، إلا الصناديق المخصصة لها ،حتى أن برمجة يوم الجمعة وحده لتنظيف المقابر و نقل النفايات إلى المفرغة العمومية على متن شاحنات المؤسسة لم يعد كافيا .
المسؤول أوضح بأن مؤسسته ونظرا لضعف مداخيلها و العدد المحدود من عمالها لا تستطيع توفير كافة الخدمات المتعلقة بصيانة و تنظيف القبور و القانون يعفيها من ذلك و يحتم على المواطنين التكفل على حسابهم بصيانة قبور ذويهم و المحافظة عليها من تأثير الزمن و الطبيعة و حتى السرقة و التخريب. في حين يكلف عمال المؤسسة بصيانة و تنظيف المقابرو محيطها ، إلى جانب مهامهم الأساسية المتعلقة بحفر القبور و الدفن يوميا . أما بناء القبور فيكون حسب الطلب. و أضاف بأن المؤسسة تعتمد في عرض هذه الخدمات على أسعار معقولة ،مقبولة و ثابتة .و إذا توجه أهل ميت فقير إلى الإدارة و قالوا بأنهم لا يملكون تكاليف الحفر و اللحد و الدفن، تتكفل بها كما أكد المؤسسة بالمجان .و في ما يتعلق ببناء القبور، شرح بأن المؤسسة لا تستعمل حاليا المواد الغالية و الهشة مثل الرخام و بالتالي يتم تقديم طلبيات قبور و شواهد الرخام لأحد الخواص و ستشرع قريبا في تطبيق اجراءات تنظيم الصفقات العمومية لتشمل متعاملين آخرين .و ندد محدثنا بتزايد أعداد الأشخاص الذين يمارسون حرفة التسول أمام وداخل المقابر و يرى بأن الزوار هم الذين يشجعون على ذلك بتوزيع النقود عليهم و الملابس التي يبيعونها لمحلات الملابس المستعملة، و ما إن تظهر حافلات التضامن التابعة لمديرية النشاط الإجتماعي لنقلهم إلى ديار الرحمة حتى يلوذوا بالفرار .و كشف بأن عمليات إزالة الأعشاب و النباتات الضارة من المقابر التي تنظم دوريا بينت في العام الفارط تفاقم ظاهرة السحر و الشعوذة، فقد ضبط أعوان النظافة و التطهير كميات مهولة من التمائم و الحروز و قطع الملابس المليئة بالتعاويذ و المواد المشبوهة فأمرهم بحرقها .و من الظواهر المشينة التي يرصدها يوميا و التي تنم أيضا عن عدم مراعاة خصوصية و حرمة المكان عدم التزام العديد من الزوار خاصة المغتربين منهم ،بارتداء ملابس محتشمة و اصطحابهم للأطفال و عدم احترامهم لأدنى شروط النظافة و اللياقة . و أشار إلى أنه كلف عماله في 2005 بتوزيع أكياس بلاستيكية على الزوار للمشاركة في حملة مكثفة لتنظيف المقبرة المركزية كخطوة أولى ،لكن العملية باءت بالفشل، نظرا لنقص الوعي و التحسيس .و اعترف بأن المكان لا يزال يستقطب المنحرفين رغم غلق بعض الأضرحة و مصلى قديم حيث كانوا يختبئون عن العيون لممارسة الرذائل .و لا يزال بعضهم خاصة المراهقين منهم ،يستهدفون النساء و الفتيات فيطلبون منهن شراء صفيحة ماء مقابل 50 دج و إلا كسروا القبر الذي هن بصدد زيارته . و أشاد بجهود عماله المتعددي المهام الذين يواجهون الأمراض و المخاطر بشجاعة في الفصول الأربعة و يلومهم لعدم تعودهم على استعمال وسائل الوقاية خاصة القفازات و لما لا الكمامات. و يدعو مؤسسة سونلغاز لتذكر طلب عمره 3 سنوات لتزويد قاعة العمال بالغاز الطبيعي ليتمكنوا من الغسل و التدفئة . و بخصوص غلق حنفية الماء بالمدخل العلوي من المقبرة المركزية الذي أنعش تجارة الماء ،رد بأنه اضطر لذلك لأن الكثير من الزوار كانوا يستعملون الماء للاستحمام أمام الملء .و من الأمور التي لا تزال تؤرق محدثنا انهيار جزء من سور هذه المقبرة منذ حوالى سنة بسبب رمي سكان الحي للردم و النفايات بشكل مكثف أمامه و قد راسل مصالح البلدية لترميمه لكن لا أحد حرك ساكنا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.