الموافقة على تعيين سفير الجزائر الجديد لدى انتيغوا و بربودا    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 52653 شهيدا و118897 جريحا    تصفيات شان-2025/الجزائر- غامبيا : "الخضر" على بعد 90 دقيقة من المرحلة النهائية    البطولة الجهوية لكرة القدم داخل القاعة لفئة الصم يومي الجمعة والسبت بالشلف    أمطار رعدية مرتقبة على عدة ولايات بشرق البلاد يومي الأربعاء الخميس    برمجة 22 رحلة إلى البقاع المقدسة انطلاقا من المطار الدولي لوهران    مؤتمر سيم كونيكت بمونتريال: طافر تعقد لقاء مع الخبير الجزائري كريم زغيب    سعداوي يشرف على انطلاق امتحانات إثبات المستوى ويؤكد التزام القطاع بالتحديث الرقمي والتربوي    السيطرة على حريق مهول بمركز تجاري في البليدة دون تسجيل خسائر بشرية    الكيان الصهيوني ينتهج سياسة تجويع متعمدة بغزة ويستخدم المساعدات الإنسانية سلاحا    عقب إعطائه إشارة انطلاق هذه الامتحانات من مستغانم، زرب أزيد من 36 ألف محبوس يجتازون امتحانات إثبات المستوى    ممثلا لرئيس الجمهورية العرباوي، يشارك بمنتدى افريقي رفيع المستوى بسيراليون    بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من نظيره الباكستاني، عطاف " نسعى إلى الارتقاء بعلاقاتنا الثنائية إلى أسمى المراتب المتاحة "    عن الإمتيازات التي تتمتع بها فئة ذوي الهمم، مولوجي نتاج تنسيق قطاعي محكم بين مختلف الدوائر الوزارية    خلال محادثات مع "ماتيلاك" اللبنانية، عجال نشجع على توطين النشاط الصناعي بالجزائر وتوسيعه    تجسيدا لمذكرة التفاهم الموقعة بالجزائر تأسيس شركة جزائرية- عمانية لتقديم خدمات حقول النفط المتكاملة    أطلقنا"برنامجا هاما" لتثمين وتطوير القدرات المنجمية الوطنية    سعداوي يعطي إشارة انطلاق امتحانات إثبات المستوى    19 جريحا ببلدية ولتام في ولاية المسيلة    تأتي في سياق الانجازات التي تحققها اليوم الجزائر المنتصرة "    على الحجاج شراء سندات الهدي من الجهات الرسمية    20 مليار دولار خسائر الجزائر من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي    الجزائر تبهر تنظيميا وتبعث جيلا رياضيا واعدا    قمة تنافسية على اللقب بين بلوزداد والمولودية في أجواء "باردة"    دعوة لرص الصفوف لتكوين جبهة موحدة    مكافحة الفساد مسؤولية جميع الهيئات    دعوة لتنظيم ورشات تكوينية دورية في المؤسسات    تحذير من السباحة في السدود والبرك والمجمّعات المائية    وهران تنظم ثاني عملية إعادة إسكان بأرزيو    استقرار أسعار الخضر والفواكه بأسواق الجملة والتجزئة    لا وجود لمقاتلين صحراويين في سوريا    صناديق توظيف جماعي لتمويل المشاريع قريبا    شراء سندات الهدي بالبقاع المقدّسة من الجهات المعتمدة فقط    ممارسات غير قانونية بصالونات الحلاقة    الكتابة الإبداعية فضاء أقلّ تقييدا    الإعلان عن تأسيس مهرجان للفيلم الوثائقي التاريخي    "لعوينات" تخلد ذكرى مجازر 08 ماي    ضرورة التصدي لمخططات الصهيونية الخبيثة    الذكاء الاصطناعي منافس افتراضي لعمل الصحفي    رامي بن سبعيني ضمن تشكيلة الأسبوع    المهرجان ال9 للفيلم الاوروبي: برمجة 18 فيلما للعرض من 10 الى 19 مايو    الجزائر تتوج ب53 ميدالية.. منها 18 ذهبية    وزير الصحة يكرم أعضاء اللجنة العلمية لرصد ومتابعة تفشي وباء كورونا    بمعهد الآثار يومي 11 و12 جوان .. ملتقى وطني حول الخبرة الأثرية    سوناطراك : 6000 ناجح في مسابقة توظيف المهندسين والتقنيين    تنصيب التشكيلة الجديدة للمجلس الوطني للفنون والآداب..بللو يدعو إلى توفير بيئة مستقرة ومحفّزة لتكوين ودعم الفنان    في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة : يوم دراسي حول أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لحماية التراث الثقافي    الدّورة السّادسة والعشرين لمجمع الفقه الإسلاميّ الدّولي : بحث سبل التّعاون بين مؤسّسات جامع الجزائر ونظيراتها بقطر    المجلس الشعبي الوطني: قويدري يعرض الاستراتيجية الجديدة لقطاع الصناعة الصيدلانية أمام اللجنة المختصة    كأس العرب/ قطر 2025): سحب القرعة يوم 24 مايو الجاري بالدوحة    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 52615 شهيدا و118752 جريحا    800 نقطة بيع للأضاحي المستوردة    غويري يواصل تألقه    طلبة من جامعة قسنطينة 3 في زيارة إلى مدينة ميلة القديمة    فضل قراءة سورة الكهف    المقصد الإسلامي من السيرة النبوية الشريفة    قبس من نور النبوة    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنصفوا الأمير!
نشر في الجمهورية يوم 03 - 07 - 2021

لكل أمة رموز هي رأسمالها الرمزي والتاريخي، بها تتعلق وتتشبث كلما تاهت النفوس وهي أيضا أنوار ترشد الإرادات كلما دلهمت الدروب، منها تستمد القوة لمواصلة الكفاح وتحقيق الذات والهوية والاستقلال.
إذا كانت هذه الرموز هي منارات تسترشد بها الأجيال فإن هذه الأخيرة مطالبة بالحفاظ على رموزها ومناراتها وتبجيلها بما يليق بمقامها. فهل كان وطننا بمثل هذا التطلع في صيانة رموزه وجعلها في منأى عن كل جدل وتشكيك؟
لم تكن شخصية الأمير عبد القادر الجزائري هي أول شخصية رمزية للجزائر وللجزائريين تتعرض لهجومات شرسة ليس من الخارج بل من الداخل ممن يفترض أنهم هم الأولى والأجدر بالحفاظ على ذاكرتهم وصيانتها، ليس فحسب من خطر محتمل بل بصيانة دورية لما قد يلحق من تراكم غبار الزمن وصدئه.
على مر أجيال قبل الاستقلال وبعده، لم يشد عن الإجماع إلا النزر القليل ولأسباب إيديولوجية بحتة، عن اعتبار الأمير عبد القادر رمزا وطنيا جامعا وهو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. كيف لا يعد كذلك وهو من وقف الند للند للحملة الاستعمارية الفرنسية على الجزائر طيلة سبعة عشر سنة، رافعا للراية الوطنية ومجاهدا بالسيف والقلم، بالعلم والعمل.
فكيف يشذ عن رمزية الأمير جزائري ويطعن في شخصيته وتاريخها؟ هل مرد ذلك إلى جهل؟ أم إنه فعل متعمد ومقصود؟ وما الهدف منه إذن؟ وإذا صرنا كجزائريين إلى هذه الحال فما هي رموز الوطن التي سلمت من كل تشكيك؟
من بقي من رموزك أيها الوطن الشامخ لم تمتد إليه ألسنة وأيادي التشويه والمسخ. هل أعمت أشعة الحقيقة أبصارنا حتى صرنا لا نتعرف على مسالكها الآمنة والصحية.
ليكن واضحا أن ما استنكره قطاع واسع من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي حول تخوين الأمير ليس بالأمر الجديد وأنه أمر متداول وان لم يكن شائعا.
أذكر تساؤل البعض حول استسلام الأمير كان من الممكن أن يكون بصيغة موضوعية وطبيعية بحثا عن الحقيقة لو لم يصغ بمكر وخبث يوحي بهذا التخوين الذي ورد على لسان بن شهيد.
وأذكر أيضا إجابة آخر في نقاش ينتقد الأمير ويتحدث عنه وكأنه كان حاضرا معه وليردف في النهاية بأنه متقاعد من المخابرات وكان هذه ميزة تجعله يتكلم في ملفات التاريخ ويعلم ما لا نعلم. وأذكر أيضا أن صديقا جامعيا سمع من أستاذ جامعي وفي تخصص التاريخ يتحدث بعبارات صريحة عن خيانة الأمير عبد القادر وهو ما أدهشني أن يصدر مثل هذا الكلام من فم من يعتبر نفسه باحثا أكاديميا لا يلقي الكلام على عواهله دون تمحيص وفحص موضوعي.
ألا يدرك هؤلاء أن هذه الشخصية العظيمة بعلمها وعملها، بجهادها وتقواها، بفكرها وأدبها، بتصوفها وروحانيتها ظل سيفا يجاهد فرنسا لسنوات وبقي قلما يناشد السلم لكل إنسان؟ بالمقابل ماذا كان يفعل أجداد هؤلاء المُخوّنين والمتشككين ممن كانوا معاصرين للأمير عندما كان يصول ويجول غربا وشرقا بحثا بين القبائل والعروش عمن يتبنى مسلكه في محاربة الغزو الفرنسي؟
يقول نزار أباظة في مقدمة الكتاب الذي حققه وجمع نصوصه بعنوان الأمير عبد القادر العالم المجاهد، مشيدا بشخصية الأمير ومكانته ما نصه:
"ما من مؤرخ تحدث عن الجزائر في عصورها الحديثة إلا وأشاد بالأمير المجاهد عبد القادر الجزائري ونوه بفضله ومكانته حتى غدا هذا الأمير معلما من معالم المغرب العربي الحر بما له من ملامح بطولية ملحمية سجلها التاريخ بحروف من نور. وما من مؤرخ درس تاريخ الشام المعاصر إلا ولأشار إلى هذا الأمير العالم لما ترك من آثار واضحة لما ترك من آثار واضحة في حياة دمشق وما حولها من جميع مناحيها السياسية والعلمية والاجتماعية وخلال المرحلة التي عاشها هذا العلم في بلاد الشام."
لم تكن شخصية الأمير عبد القادر محط تقدير واحترام ضمن بيئة شمال إفريقيا فقط بل أيضا في بيئات جغرافية أخرى كالشام والمشرق ومناطق أخرى في العالم كأمريكا وأوربا لا نبالغ أن فيها اكتسبت شخصية الأمير عبد القادر سمعة عالمية وأهمية كونية. وهو الأمر الذي ترجم بالاهتمام بدراسة سيرته وآثاره ومواقفه وجعله نموذجا فعليا للنضال والمقاومة والتسامح، فسمّيت باسمه مدن وساحات وفضاءات في مناطق عدة من العالم تكريما وتبجيلا لمقامه العالي.
لقد كان الأمير عبد القادر في صميم الحياة الاجتماعية حتى وهو خارج عنها مثلما يصرح الكاتب الفرنسي برونو إيتيينBruno Etienneالمختص في دراسة الأمير "فقد كانت حياته الفعلية كلها نوع من السر الروحي حتى وهو يمارس دوره في تسيير الشؤون العامة؛ فهو في صميمه كأنه غائب عن العالم، وهذا ما كان ماكس فيبر يدعوه النموذج المثالي للبراعة الدينية: أن تكون في صميم الحياة الاجتماعية وأنت خارج عنها." ولم يكن تأثيره والثناء عليه من طرف من اتهم أنهم رأوا فيه صديقا وهو خصمهم وقد حاربهم أي الفرنسيين بل إن غيرهم من الأوربيين مثل الإنغليز أعجبوا بشخصيته وهذا ما يذكره الدكتور أبو القاسم سعد في مقدمة ترجمته لكتاب حياة الأمير عبد القادر ل شارل هنري تشرشل، حيث يقول:
"والواقع أن الإنكليز وقفوا من الأمير موقف المعجب المشجع أثناء مقاومته رغم أن إعجابهم به وتشجيعهم له لم يصل حد الحماس والتأييد المطلق. فقد ثبت أنهم أمدوه ببعض الأسلحة والذخيرة من مراكزهم في المغرب وإسبانيا. واتصل به بعض عملائهم في الجزائر لمعرفة تفكيره السياسي واتجاهاته. وغطت صحفهم، حتى المحافظة منها، أخباره بلهجة معجبة. وتناوله بعض شعرائهم، بل دخل حتى في أدبهم الشعبي. وتبادل معهم الرسائل وانتصروا له عند سجنه في فرنسا. وقد تدخل كبار رجالهم لإطلاق سراحه. ولكن علاقة الأمير بنابليون الثالث، وما قيل من أن الأمير قد منح كلمته الصادقة بأن لا يرفع السلاح مرة أخرى في وجه فرنسا أينما كان، وحماية فرنسا له ولأولاده وتزويده بأكثر مما يحتاجه من مال على يد نابليون، كل ذلك وغيره قد جعل الإنكليز يقفون منه موقف الحذر. فقال عنه بعضهم بأنه قد أصبح صديقا للفرنسيين ولا يمكن أن يكون غير ذلك، وسكت عنه الآخرون فلم يهتموا به ولم يعد في نظرهم قادرا على القيام بأي دور على المستوى العالمي، وإذا كانت الملكة فيكتوريا قد أرسلت إليه بندقية وخطاب شكر فإنها قد فعلت ذلك تقديرا لموقفه الإنساني من حوادث 1860 في الشام تمشيا مع ما قامت به معظم الدول الأوربية نحوه. ولم يكن ذلك من دون شك تغييرا في سياستها نحوه أو تقربا منه للاستفادة من نفوذه كما فعل الفرنسيون."
ما من شك أن القارئ لهذه الفقرة سيقف على خلفيات مواقف الإنغليز من الأمير وما يحكمها من مصالح وحسابات استراتيجية بيد أنها تبرز كذلك مكانة وقوة حضور شخصية الأمير على المستوى العالمي.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: أين هؤلاء من الذين تجرؤوا على اتهام الأمير من أولئك الذين أنصفوا الأمير ورفعوه إلى مقام الإنسانية العالية وكرموه لخصاله الحميدة وشمائله الفذة وخلدوا اسمه في مدنهم وساحاتهم واستحق أن يذكر بفخر بين الخيّرين والأحرار ورموز الإنسانية؟
أنصفوا الأمير، بكلمة حق ولا تشوّهوا الحقيقة باسم الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.