عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    لعقاب يقرر إنهاء مهام المدير العام لجريدة "الجمهورية"    الأئمّة بالمرصاد لكل المؤامرات التي تحاك ضد البلاد    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    إشادة فلسطينية بالدعم الجزائري    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    حركة البناء الوطني تنظم ندوة لشرح خطتها الإعلامية الرقمية تحسبا للانتخابات الرئاسية    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب المناخ... بداية بلا نهاية
فيضانات خاطفة، جفاف وغرق مدن
نشر في المساء يوم 22 - 12 - 2018

كانت الصور الصادمة التي صنعها شباب في إحدى شوارع الجزائر العاصمة، مطلع شهر أكتوبر المنصرم، وهم يقفزون من أعلى حافلة للنقل الجماعي، للسباحة في برك الماء التي خلفتها الأمطار الغزيرة، من أقوى وأكثر المشاهد التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وربما أغربها آنذاك.
لقد عاش سكان العاصمة خلال تلك الليلة، أجواء مناخية مجنونة، كان واضحا لخبراء البيئة أن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت في دقائق معدودات وتسببت في غرق أجزاء من المناطق السفلى للعاصمة، مظهر من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة التي أصبح يعيشها العالم.
لم يكن هذا السيناريو الوحيد الذي حدث هذا العام، بل سبقته الكثير من الفيضانات التي تجاوز عددها الخمسين، طالت الكثير من مناطق الوطن.
كانت الصور الصادمة التي صنعها شباب في إحدى شوارع الجزائر العاصمة، مطلع شهر أكتوبر المنصرم، وهم يقفزون من أعلى حافلة للنقل الجماعي، للسباحة في برك الماء التي خلفتها الأمطار الغزيرة، من أقوى وأكثر المشاهد التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وربما أغربها آنذاك.
لقد عاش سكان العاصمة خلال تلك الليلة، أجواء مناخية مجنونة، كان واضحا لخبراء البيئة أن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت في دقائق معدودات وتسببت في غرق أجزاء من المناطق السفلى للعاصمة، مظهر من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة التي أصبح يعيشها العالم.
لم يكن هذا السيناريو الوحيد الذي حدث هذا العام، بل سبقته الكثير من الفيضانات التي تجاوز عددها الخمسين، طالت الكثير من مناطق الوطن.
أما عن الحصيلة، فقد عرفت وفاة 20 شخصا، إلى جانب خسائر مادية قدرت بحوالي 300مليون دولار، فضلا عن الأضرار المعنوية التي لحقت بالمتضررين، وهي حصيلة تبدو ثقيلة جدا وتدعو إلى القلق، خاصة أن المشهد مرشح للتكرار كل سنة.
في الوقت الذي وجه المواطنون المتضررون سهام انتقاداتهم للحكومة، حمّل بعض الوزراء السكان مسؤولية ذلك. كما طالت الاتهامات مصالح الديوان الوطني للأرصاد الجوية، حيث حملها المندوب الوطني المكلف بإدارة الكوارث الطبيعية في وزارة الداخلية جزءا من المسؤولية، لأنها فشلت حسبه- في التنبؤ بما سيحدث، بالتالي تقديم نشرات جوية دقيقة.
ما عشناه لم يكن سوى مظهرا من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة، وعلينا من الآن فصاعدا، توقع مثل هذه الظواهر المتطرفة والعنيفة والتأقلم معها، يؤكد المدير العام للوكالة الوطنية للتغيّرات المناخية، نور الدين بوقادوم ل«المساء"، الذي قال "التغيرات المناخية في العالم تسببت خلال ال30 سنة المنصرمة في تزايد عدد الكوارث الطبيعية بأربعة أضعاف تقريبا، مقارنة بذي قبل، وقد خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، وإذا لم نتحرك بسرعة، فإن الحصيلة في المستقبل ستكون أثقل، لأن السيناريو مرشح للتكرار، وربما بدرجات أشد، وأسوأ ما في الأمر أنه علميا لا يمكننا التنبؤ بهذه الظواهر بدقة".
فيضانات تعقبها فترات جفاف طويلة، ماذا يحدث؟
لم تكن الجزائر البلد الوحيد الذي عاش سكانه مثل هذه الظواهر المتطرفة في الخريف، فهناك تونس، ثم الأردن الذي فقد في سيول عارمة 12 فردا من فلذات كبده، وبعدها الكويت التي أحصت قتيلا وخسائر مادية معتبرة، ومؤخرا العراق.
في شمال المتوسط، وفي نفس الفترة تقريبا، أحصت فرنسا وفاة 12 شخصا في فيضانات عارمة، ليأتي الدور على إيطاليا التي فقدت هي الأخرى 13 شخصا، فماذا حصل بالضبط؟ كيف تسببت أمطار تهاطلت لدقائق معدودات في حدوث فيضانات عارمة وفي دول تملك شبكات صرف مياه الأمطار عالية الدقة والجودة، مع وجود استراتيجية محكمة لمواجهة المخاطر والظواهر الطبيعية المتطرفة؟
أكد وزير الموارد المائية السيد حسين نسيب، في أولى تصريحاته، أن ما حدث فعلا في تلك الأيام هو تصادف هطول أمطار غزيرة مع عاصفة هوجاء، في ظاهرة طبيعية نادرا ما تحدث، أرجعها إلى التغيرات المناخية قبل أن يصرح بأن دراسة علمية أجرتها مصالحه، توصلت إلى أن 60 بالمائة من الفيضانات التي وقعت داخل المدن كان سببها تلوث الأودية التي لم تعد تؤدي دورها الطبيعي، المتمثل في امتصاص السيول العارمة.
أما خبراء المرصد الوطني للأحوال الجوية، فأكد أغلبهم أن بلادنا أصبحت منذ سنين عرضة لأحوال جوية ومناخية وظواهر طبيعية متطرفة غير مسبوقة، وأن أغلب الفيضانات التي عرفتها بلادنا كانت بسبب عواصف مطرية قوية تجاوزت فيها التراكمات المطرية في بعض المناطق، حاجز ال100 مائة ملم خلال ثلاثة أيام.
قدم المعهد الوطني الفرنسي للأرصاد الجوية تحليلا أكثر عمقا ودقة لما حدث في فرنسا، حيث أصدر تقريرا يوم 15 أكتوبر المنصرم، أوضح فيه أن كمية الأمطار التي كانت تتهاطل على الأراضي الفرنسية خلال أشهر، تساقطت يومها في بضع سويعات، ولا أحد من الخبراء توقع حدوث الأمر، وهو نفس السيناريو الذي تكرر في الكثير من بلدان المتوسط، كإيطاليا.
أضاف التقرير أن هذه الظواهر المتطرفة تحدث غالبا في فصل الخريف بالنسبة لبلدان حوض المتوسط، وخبراء المناخ في فرنسا يعكفون منذ عام 2010 على دراستها باستخدام تقنيات عالية الجودة، لكن إلى حد الآن لا يمكن التنبؤ بها مستقبلا.
المقلق في الأمر أن سقوط الأمطار من حين لآخر بكميات معتبرة، لا يعني أن هذا البلد أو ذاك أصبح مؤمنا مائيا، لأن فترات الجفاف أصبحت أيضا طويلة جدا، وهو ما توضحه الصورة التي جاءت في التقرير الأخير الصادر عن برنامج الأم المتحدة للبيئة، حيث جاءت الجزائر وكامل المنطقة العربية ضمن البلدان التي تصل فيها فترات الجفاف خلال السنة الممتدة بين 10 و12شهرا.
وفي تعليقه على هذه الظاهرة، قال السيد محمد بوغداوي، الخبير في التغيرات المناخية ومستشار في وزارة البيئة والطاقات المتجددة في تصريح ل«المساء"، أن الجزائر عرفت خلال السنوات العشر الأخيرة، تراجعا في كميات الأمطار السنوية في المناطق الساحلية والداخلية بنسبة تتراوح بين 10 و20 بالمائة مقارنة بذي قبل.
أضاف محدثنا يقول، إن المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل بحوالي 400 كلم أصبحت تواجه مخاطر التصحر بدرجة شديدة، حيث سُجّل ارتفاع قياسي في متوسط درجات الحرارة، يصل إلى ست درجات في المائة، وهذا نذير يدفعنا إلى التفكير والتخطيط بسرعة لاحتواء الوضع.
الفيضانات هو المظهر الأكثر تكرار في الجزائر وهي تخلف ضحايا وخسائر مادية معتبرة.
وقد جاء التقرير السادس لخبراء المجموعة الدولية حول التغيرات المناخية الصادر يوم 08 أكتوبر المنصرم ليزيد الصورة أكثر قتامة حول الحالة المزرية التي بلغها كوكبنا بسبب الاحتباس الحراري.
فقد أكد الخبراء أن الإبقاء على احترار عالمي في حدود 1.5 درجة مئوية بدلا من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، سيتطلب تغييرات سريعة وبعيدة الأثر وغير مسبوقة في كافة مناحي الحياة.
قال السيد بان ماو زاي، رئيس الخبراء، حسبما ورد في البيان الصحفي الذي أصدرته المجموعة، عقب اجتماعها في إنشيون بجمهورية كوريا الجنوبية، إن إحدى الرسائل الأساسية التي يوجهها التقرير بقوة، أننا نشهد بالفعل عواقب وخمية للاحترار العالمي، منها ظواهر طبيعية أكثر تطرفا، وهي مرشحة للتكرار وبدرجات أكثر شدة.
من جهته، صرح نور الدين ياسا، نائب رئيس المجموعة الأولى التي أشرفت على إعداد هذه التقرير العالمي ل«المساء"، حتى باحتساب احترار عالمي بدرجة 1.5 التي أوصى بها التقرير، فإن كوكب الٍأرض سيعرف إلى حدود عام 2030 ظواهر مناخية متطرفة، مثل الفيضانات العارمة، العواصف الهوجاء، ارتفاع مستوى مياه البحر، تصحر وتزايد عدد حرائق الغابات، وهي الظواهر التي سيكون لها تأثير كبير على سكان دول العالم الثالث ذات الدخل المنخفض التي لا يمكنها ماديا مواجهتها".
أضاف ياسا الذي يشغل منصب مدير عام معهد الطاقات المتجددة في الجزائر، أن التقرير وجه رسالة إلى صناع القرار في دول العالم لبذل المزيد من الجهود، من أجل حماية كوكبنا وحماية الدول الضعيفة من خلال الزيادة في تمويل مشاريع التأقلم في هذه الدول، ونقل التكنولوجيا بالمجان والتوجّه نحو انتقال طاقوي صديق للبيئة.
سلط التقرير الضوء على عدد من مظاهر تغير المناخ التي يمكن تجنبها بالإبقاء على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر على نطاق العالم بحلول عام 2100، سيكون أقل بمقدار 10 سنتم إلى 70 سنتم.
الحد من الاحترار العالمي من شأنه أن يحد من الزيادة في درجات حرارة المحيطات وحموضتها ومن انخفاض مستويات الأكسجين فيها، ومن ثمة يقلل المخاطر التي تهدد التنوع الحيوي البحري ومصايد الأسماك والنظم الإيكولوجية.
لكن حتى في ظل اقتصار الاحترار العالمي على 1.5 درجة مئوية، يُتوقّع أن تتراجع الشعاب المرجانية بما يتراوح بين 90-70 في المائة، بينما ستزيد هذه النسبة إلى أكثر من 99 في المائة، في ظل احترار عالمي بمقدار درجتين مئويتين.
فترات جفاف طويلة والتصحر يزحف ببطء.
خلص التقرير إلى أن دول العالم مطالبة اليوم بإدخال تحولات سريعة على أنماط معيشتها وبسرعة في قطاعات الأراضي، الطاقة، الصناعة، المباني، النقل والمدن، وسيتطلب ذلك تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45 بالمائة بحلول عام 2030، قياسا بمستويات سنة 2010، لنصل إلى صفر انبعاث بحلول عام 2050.
جاء بعدها تقرير سد فجوة الانبعاثات الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نهاية شهر نوفمبر الفارط، ليزيد الوضع تعقيدا، حيث أكد أنه لا توجد علامات على وقف انبعاث الغازات الدفيئة في العالم، بل بالعكس، فقد زادت في عام 2017 عقب ثلاث سنوات من استقرارها.
حسب التقرير، فإن دول العالم مطالبة بمضاعفة جهودها في التقليل من الغازات الدفيئة بمقدار الثلث، للحفاظ على زيادة درجة حرارة بمقدار 2 بالمائة، ولبلوغ هدف 1.5 درجة مئوية، يجب على الدول مضاعفة جهودها ومساهماتها بخمسة أضعاف، وهو مطلب يبدو صعب المنال في ظل تعنت بعض الدول الكبيرة ورفضها الانضمام إلى هذا المسعى العالمي، كأمريكا، وحتىبعضالدولالصغيرة،كبلغارياالتيأعلنتمؤخرارفضهامراجعةمساهمتهافيهذاالمجال.
لكن المفاوضات والمشاورات الماراطونية التي عرفتها قمة المناخ العالمية في طبعتها ال24، والتي انتهت أشغالها يوم 14 ديسمبر الجاري، كانت نتيجتها حصول اتفاق، أكثر ما يمكن القول عنه أنه مقبول، لأنه أعطى روحا لاتفاق باريس، لكنه يبقى غير كاف، وهو ما أكده رئيس قمة باريس لوران فابيوس الذي أدلى في تصريحات صحفية "قمة كاتوفيتش دعمت اتفاق باريس، لكنها لم تساهم في تسريع الخطى لمحاربة التغيرات المناخية".
هذا التصريح يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الدول المتضررة التي طوال ال24 سنة الفارطة، تحارب خارج قواعدها من أجل الحفاظ على كوكبنا، مطالبة بالعمل داخل قواعدها، من خلال تعزيز قدراتها على التأقلم مع التغيرات المناخية والتقليل من مخاطرها.
أما عن الحصيلة، فقد عرفت وفاة 20 شخصا، إلى جانب خسائر مادية قدرت بحوالي 300مليون دولار، فضلا عن الأضرار المعنوية التي لحقت بالمتضررين، وهي حصيلة تبدو ثقيلة جدا وتدعو إلى القلق، خاصة أن المشهد مرشح للتكرار كل سنة.
في الوقت الذي وجه المواطنون المتضررون سهام انتقاداتهم للحكومة، حمّل بعض الوزراء السكان مسؤولية ذلك. كما طالت الاتهامات مصالح الديوان الوطني للأرصاد الجوية، حيث حملها المندوب الوطني المكلف بإدارة الكوارث الطبيعية في وزارة الداخلية جزءا من المسؤولية، لأنها فشلت حسبه- في التنبؤ بما سيحدث، بالتالي تقديم نشرات جوية دقيقة.
ما عشناه لم يكن سوى مظهرا من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة، وعلينا من الآن فصاعدا، توقع مثل هذه الظواهر المتطرفة والعنيفة والتأقلم معها، يؤكد المدير العام للوكالة الوطنية للتغيّرات المناخية، نور الدين بوقادوم ل«المساء"، الذي قال "التغيرات المناخية في العالم تسببت خلال ال30 سنة المنصرمة في تزايد عدد الكوارث الطبيعية بأربعة أضعاف تقريبا، مقارنة بذي قبل، وقد خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، وإذا لم نتحرك بسرعة، فإن الحصيلة في المستقبل ستكون أثقل، لأن السيناريو مرشح للتكرار، وربما بدرجات أشد، وأسوأ ما في الأمر أنه علميا لا يمكننا التنبؤ بهذه الظواهر بدقة".
فيضانات تعقبها فترات جفاف طويلة، ماذا يحدث؟
لم تكن الجزائر البلد الوحيد الذي عاش سكانه مثل هذه الظواهر المتطرفة في الخريف، فهناك تونس، ثم الأردن الذي فقد في سيول عارمة 12 فردا من فلذات كبده، وبعدها الكويت التي أحصت قتيلا وخسائر مادية معتبرة، ومؤخرا العراق.
في شمال المتوسط، وفي نفس الفترة تقريبا، أحصت فرنسا وفاة 12 شخصا في فيضانات عارمة، ليأتي الدور على إيطاليا التي فقدت هي الأخرى 13 شخصا، فماذا حصل بالضبط؟ كيف تسببت أمطار تهاطلت لدقائق معدودات في حدوث فيضانات عارمة وفي دول تملك شبكات صرف مياه الأمطار عالية الدقة والجودة، مع وجود استراتيجية محكمة لمواجهة المخاطر والظواهر الطبيعية المتطرفة؟
أكد وزير الموارد المائية السيد حسين نسيب، في أولى تصريحاته، أن ما حدث فعلا في تلك الأيام هو تصادف هطول أمطار غزيرة مع عاصفة هوجاء، في ظاهرة طبيعية نادرا ما تحدث، أرجعها إلى التغيرات المناخية قبل أن يصرح بأن دراسة علمية أجرتها مصالحه، توصلت إلى أن 60 بالمائة من الفيضانات التي وقعت داخل المدن كان سببها تلوث الأودية التي لم تعد تؤدي دورها الطبيعي، المتمثل في امتصاص السيول العارمة.
أما خبراء المرصد الوطني للأحوال الجوية، فأكد أغلبهم أن بلادنا أصبحت منذ سنين عرضة لأحوال جوية ومناخية وظواهر طبيعية متطرفة غير مسبوقة، وأن أغلب الفيضانات التي عرفتها بلادنا كانت بسبب عواصف مطرية قوية تجاوزت فيها التراكمات المطرية في بعض المناطق، حاجز ال100 مائة ملم خلال ثلاثة أيام.
قدم المعهد الوطني الفرنسي للأرصاد الجوية تحليلا أكثر عمقا ودقة لما حدث في فرنسا، حيث أصدر تقريرا يوم 15 أكتوبر المنصرم، أوضح فيه أن كمية الأمطار التي كانت تتهاطل على الأراضي الفرنسية خلال أشهر، تساقطت يومها في بضع سويعات، ولا أحد من الخبراء توقع حدوث الأمر، وهو نفس السيناريو الذي تكرر في الكثير من بلدان المتوسط، كإيطاليا.
أضاف التقرير أن هذه الظواهر المتطرفة تحدث غالبا في فصل الخريف بالنسبة لبلدان حوض المتوسط، وخبراء المناخ في فرنسا يعكفون منذ عام 2010 على دراستها باستخدام تقنيات عالية الجودة، لكن إلى حد الآن لا يمكن التنبؤ بها مستقبلا.
المقلق في الأمر أن سقوط الأمطار من حين لآخر بكميات معتبرة، لا يعني أن هذا البلد أو ذاك أصبح مؤمنا مائيا، لأن فترات الجفاف أصبحت أيضا طويلة جدا، وهو ما توضحه الصورة التي جاءت في التقرير الأخير الصادر عن برنامج الأم المتحدة للبيئة، حيث جاءت الجزائر وكامل المنطقة العربية ضمن البلدان التي تصل فيها فترات الجفاف خلال السنة الممتدة بين 10 و12شهرا.
وفي تعليقه على هذه الظاهرة، قال السيد محمد بوغداوي، الخبير في التغيرات المناخية ومستشار في وزارة البيئة والطاقات المتجددة في تصريح ل«المساء"، أن الجزائر عرفت خلال السنوات العشر الأخيرة، تراجعا في كميات الأمطار السنوية في المناطق الساحلية والداخلية بنسبة تتراوح بين 10 و20 بالمائة مقارنة بذي قبل.
أضاف محدثنا يقول، إن المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل بحوالي 400 كلم أصبحت تواجه مخاطر التصحر بدرجة شديدة، حيث سُجّل ارتفاع قياسي في متوسط درجات الحرارة، يصل إلى ست درجات في المائة، وهذا نذير يدفعنا إلى التفكير والتخطيط بسرعة لاحتواء الوضع.
المجموعة الدولية تطلق جرس إنذار، ونتائج قمة بولونيالي ستكافية، وقد جاء التقرير السادس لخبراء المجموعة الدولية حول التغيرات المناخية الصادر يوم 08 أكتوبر المنصرم ليزيد الصورة أكثر قتامة حول الحالة المزرية التي بلغها كوكبنا بسبب الاحتباس الحراري.
فقد أكد الخبراء أن الإبقاء على احترار عالمي في حدود 1.5 درجة مئوية بدلا من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، سيتطلب تغييرات سريعة وبعيدة الأثر وغير مسبوقة في كافة مناحي الحياة.
قال السيد بان ماو زاي، رئيس الخبراء، حسبما ورد في البيان الصحفي الذي أصدرته المجموعة، عقب اجتماعها في إنشيون بجمهورية كوريا الجنوبية، إن إحدى الرسائل الأساسية التي يوجهها التقرير بقوة، أننا نشهد بالفعل عواقب وخمية للاحترار العالمي، منها ظواهر طبيعية أكثر تطرفا، وهي مرشحة للتكرار وبدرجات أكثر شدة.
من جهته، صرح نور الدين ياسا، نائب رئيس المجموعة الأولى التي أشرفت على إعداد هذه التقرير العالمي ل«المساء"، حتى باحتساب احترار عالمي بدرجة 1.5 التي أوصى بها التقرير، فإن كوكب الٍأرض سيعرف إلى حدود عام 2030 ظواهر مناخية متطرفة، مثل الفيضانات العارمة، العواصف الهوجاء، ارتفاع مستوى مياه البحر، تصحر وتزايد عدد حرائق الغابات، وهي الظواهر التي سيكون لها تأثير كبير على سكان دول العالم الثالث ذات الدخل المنخفض التي لا يمكنها ماديا مواجهتها".
أضاف ياسا الذي يشغل منصب مدير عام معهد الطاقات المتجددة في الجزائر، أن التقرير وجه رسالة إلى صناع القرار في دول العالم لبذل المزيد من الجهود، من أجل حماية كوكبنا وحماية الدول الضعيفة من خلال الزيادة في تمويل مشاريع التأقلم في هذه الدول، ونقل التكنولوجيا بالمجان والتوجّه نحو انتقال طاقوي صديق للبيئة.
سلط التقرير الضوء على عدد من مظاهر تغير المناخ التي يمكن تجنبها بالإبقاء على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر على نطاق العالم بحلول عام 2100، سيكون أقل بمقدار 10 سنتم إلى 70 سنتم.
الحد من الاحترار العالمي من شأنه أن يحد من الزيادة في درجات حرارة المحيطات وحموضتها ومن انخفاض مستويات الأكسجين فيها، ومن ثمة يقلل المخاطر التي تهدد التنوع الحيوي البحري ومصايد الأسماك والنظم الإيكولوجية.
تقرير مجموعة الخبراء الدوليين يدعو إلى التحرك بسرعة.
لكن حتى في ظل اقتصار الاحترار العالمي على 1.5 درجة مئوية، يُتوقّع أن تتراجع الشعاب المرجانية بما يتراوح بين 90-70 في المائة، بينما ستزيد هذه النسبة إلى أكثر من 99 في المائة، في ظل احترار عالمي بمقدار درجتين مئويتين.
خلص التقرير إلى أن دول العالم مطالبة اليوم بإدخال تحولات سريعة على أنماط معيشتها وبسرعة في قطاعات الأراضي، الطاقة، الصناعة، المباني، النقل والمدن، وسيتطلب ذلك تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45 بالمائة بحلول عام 2030، قياسا بمستويات سنة 2010، لنصل إلى صفر انبعاث بحلول عام 2050.
جاء بعدها تقرير سد فجوة الانبعاثات الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نهاية شهر نوفمبر الفارط، ليزيد الوضع تعقيدا، حيث أكد أنه لا توجد علامات على وقف انبعاث الغازات الدفيئة في العالم، بل بالعكس، فقد زادت في عام 2017 عقب ثلاث سنوات من استقرارها.
حسب التقرير، فإن دول العالم مطالبة بمضاعفة جهودها في التقليل من الغازات الدفيئة بمقدار الثلث، للحفاظ على زيادة درجة حرارة بمقدار 2 بالمائة، ولبلوغ هدف 1.5 درجة مئوية، يجب على الدول مضاعفة جهودها ومساهماتها بخمسة أضعاف، وهو مطلب يبدو صعب المنال في ظل تعنت بعض الدول الكبيرة ورفضها الانضمام إلى هذا المسعى العالمي، كأمريكا، وحتى بعض الدول الصغيرة ،كبلغاريا التي أعلنت مؤخرا رفضها مراجعة مساهمتها في هذاالمجال.
لكن المفاوضات والمشاورات الماراطونية التي عرفتها قمة المناخ العالمية في طبعتها ال24، والتي انتهت أشغالها يوم 14 ديسمبر الجاري، كانت نتيجتها حصول اتفاق، أكثر ما يمكن القول عنه أنه مقبول، لأنه أعطى روحا لاتفاق باريس، لكنه يبقى غير كاف، وهو ما أكده رئيس قمة باريس لوران فابيوس الذي أدلى في تصريحات صحفية "قمة كاتوفيتش دعمت اتفاق باريس، لكنها لم تساهم في تسريع الخطى لمحاربة التغيرات المناخية".
هذا التصريح يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الدول المتضررة التي طوال ال24 سنة الفارطة، تحارب خارج قواعدها من أجل الحفاظ على كوكبنا، مطالبة بالعمل داخل قواعدها، من خلال تعزيز قدراتها على التأقلم مع التغيرات المناخية والتقليل من مخاطرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.