أقر وزير العدل حافظ الأختام السيد الطيب بلعيز عن وجود فراغ قانوني صارخ، فيما يخص التكفل بالأخطاء الجزائية الطبية، مما يجعل القاضي يجد صعوبة في تحديد الخطأ وتمييزه بين هذا الأخير والضرر الذي يتعرض له المريض، وأضاف الوزير أن الجزائر تسعى إلى الاستفادة من تجارب بعض الدول في هذا المجال للتكفل بملف الأخطاء الطبية لضمان حق ضحايا هذه الأخطاء وحماية الطبيب من تبعيات لم تكن له يد فيها. وأوضح السيد بلعيز خلال إشرافه أمس على افتتاح أشغال اليوم الدراسي الذي نظم بالمحكمة العليا بالعاصمة حول ''المسؤولية الجزائية الطبية على ضوء القانون والاجتهاد القضائي'' أنه إذا كانت المسؤولية الجزائية للطبيب موضع جدل واختلاف في الفقه والقانون المقارن وأنها في ظل الأنظمة التي تقرها مسألة من قبيل تلك التي تستوجب من القاضي الاستئناس في تحديدها بخبرة ذوي الاختصاص وأهل العلم والمعرفة، وهذا هو ما يطبقه القضاء حاليا، ذلك أن الغاية المنشودة من المواضيع المقترحة لليوم الدراسي هي الوصول إلى تحديد أو معرفة ضوابط الخبرة التي تحدد على أساسها المسؤولية الجزائية للطبيب ومقارنة ذلك بما تم التوصل إليه من الاجتهاد القضائي في مختلف الأنظمة القضائية في العالم. من جهتهم أجمع المتدخلون من أساتذة جامعيين في الطب وأطباء مختصين وعامين ورجال قانون وعلى رأسهم القضاة بأن النصوص القانونية الحالية وغياب الخبرة الطبية اللازمة على مستوى المؤسسات القضائية لا تساعد القاضي على معالجة قضية مطروحة أمامه متعلقة بالخطأ الطبي، مما طرح إشكالية الغموض في تحديد الخطأ الطبي والتمييز بينه وبين الضرر بالإضافة إلى التمييز بين الضرر الحاصل بسبب خطأ ارتكبه الطبيب والضرر الذي يحدث رغم قيام الطبيب بالدور المنوط به على أكمل وجه، ومع ذلك حصل ضرر للمريض لا دخل للطبيب المعالج فيه، وفي هذا السياق؛ تقدم المشاركون في الملتقى بعدة اقتراحات أهمها استعانة القضاء بأطباء وتكوين القضاة في بعض الاختصاصات بينما يرى آخرون أنه من غير المعقول أن نحول القاضي إلى طبيب لأن القاضي لا بد أن يكون خبيراً ومتخصصا بالشكل الكافي في اختصاصه أي القضاء، كما على الطبيب أن يكون اختصاصياً وخبيراً في مجاله.وحسب رئيس عمادة الأطباء السيد بقاط بركاني، فإن القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية مرشحة للارتفاع بعد أن أصبح المرضى واعين ويعرفون حقوقهم جيداً مقارنة بالسنوات الماضية، مؤكداَ من جهة أخرى على أن يكون القاضي مدعما بخبراء وأطباء مختصين لضمان تكفل أحسن ومعالجة سليمة للقضية وذلك بإثبات وقوع الخطأ من طرف الطبيب اعتمادا على الأدلة، وشدد البعض الآخر على ضرورة مسايرة القوانين مع التطور الكبير الحاصل في المجال الطبي علما أن قانون الصحة يعود إلى سنة ,1987 بينما لم يتم تجديد القانون الخاص بأخلاقيات مهنة الطبيب منذ عشر سنوات. ويعتبر الدكتور موسى أناد عميد كلية الطب بجامعة الجزائر أن الأخطاء الطبية ليست خاصة بالجزائر فقط، بل تحدث في جميع الدول مؤكداً على ضرورة تحيين الإجراءات ومختلف المراحل المعمول بها والتي ترافق القضية المتعلقة بالخطأ الطبي، علما أن القضاء يحمي المريض والطبيب في نفس الوقت، كما أن الطبيب يعمل من أجل مصلحة المريض. ودعا المتحدث إلى التطرق أكثر لموضع الأخطاء الطبية ومناقشتها من طرف كل الأطراف المعنية لأن الحلول والخطوات الايجابية لا تأتي إلا بطرح المسائل للمناقشة وليس بتركها حبيسة الأدراج والسكوت عنها. للإشارة يشارك في الملتقى ممثلون عن قطاع القضاء من كل من بلجيكا، فرنسا، تونس، لبنان، السودان، موريتانيا، المغرب وليبيا وهي الدول التي عرضت تجاربها في مجال المسؤولية الجزائية الطبية.