قالت إن القرار اتخذ بالإجماع على مستوى حزب العمال: لويزة حنون تعلن الترشح للانتخابات الرئاسية    الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الإشتراكية من تيزي وزو: يجب الوقوف ضد كل من يريد ضرب استقرار الوطن    ينطلق اليوم تحت شعار ''معلومة دقيقة.. تنمية مستدامة'': الإحصاء العام للفلاحة أساس رسم السياسة القطاعية    سيساهم في تنويع مصادر تمويل السكن والبناء: البنك الوطني للإسكان يدخل حيز الخدمة    إضافة إلى فضاء لموزعات النقود: 9 عمليات لإنجاز وتأهيل مراكز بريدية بتبسة    بتاريخ 26 و27 مايو: الجزائر تحتضن أشغال المؤتمر 36 للاتحاد البرلماني العربي    وزير الشؤون الدينية من بومرداس: المساجد والمدارس القرآنية خزان روحي لنبذ التطرف    أستاذ التاريخ الدكتور هزرشي بن جلول للنصر: التحاق الطلبة بالثورة التحريرية شكل نقطة تحول فارقة    رئيس الجمهورية يهنّئ فريق مولودية الجزائر    بمشاركة مستشفى قسنطينة: إطلاق أكبر قافلة طبية لفائدة مرضى بين الويدان بسكيكدة    تزامنا وبداية ارتفاع درجات الحرارة بالوادي: التأكيد على التخلص من النفايات للوقاية من التسمم العقربي    ميلة: استلام 5 مشاريع لمكافحة حرائق الغابات قريبا    تم إطلاقه تحت تسمية "فينيكس بيوتك": مشروع لصناعة المواد الأولية للأدوية من التمر    المولودية تُتوّج.. وصراع البقاء يتواصل    ميدالية ذهبية للجزائرية نسيمة صايفي    الجزائر تضيّع القميص الأصفر    الاتحاد الإفريقي يتبنى مقترحات الجزائر    إصدار طابعين عن إحصاء الفلاحة    جباليا في مواجهة الصّهاينة    رمز الأناقة والهوية ونضال المرأة الجزائرية    تسليم شهادات تكوين وتأهيل وتكريم باحثين    رتب جديدة في قطاع الشؤون الدينية    شنقريحة يشرف على تمرين بالذّخيرة الحية    اتفاقية شراكة بين الجزائر وبلجيكا    بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الهمم: ذهبيتان وفضية للجزائر في اليوم الثاني    تعبد تزكيتها من قبل أعضاء اللجنة المركزية..لويزة حنون تترشح لرئاسيات 7 سبتمبر المقبل    ورشات حول مساهمة الجامعة في النشاط الاقتصادي    تأمين خاص يغطي مخاطر الكوارث الفلاحية قريبا    مراتب جديدة للأئمة أصحاب الشهادات العليا    برج بوعريريج.. ألواح شمسية لتنويع النسيج الغابي    ممثل البوليزاريو يفضح الأساليب الملتوية لمندوب المخزن    مرافعات لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في الاستقلال    الجزائر تتمسّك بإصلاح جامعة الدول العربية    الجزائر عازمة على أن تصبح مموّنا رئيسيا للهيدروجين    هذا موعد أول رحلة للبقاع المقدسة    صادي و"الفاف" يهنّئان المولودية بعد التتويج    ليلة بيضاء في العاصمة وزملاء بلايلي يحتفلون مع الأنصار    جلسة عمل ببراغا بين الوفد البرلماني الجزائري ورئيسة الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    استعراض العلاقات التاريخية بين الجزائر وصربيا    "بريد الجزائر" يعلن عن مدة حفظ بريد الزبائن    نستحق التتويج بالبطولة وأعد الأنصار ب"الدوبلي"    "رباعي" ألمانيا و"سوتشو" الصين يوقعان السهرة الثانية    إعادة افتتاح قاعة ما قبل التاريخ بعد التهيئة    سنوسي يقطف الجائزة الأولى بتلمسان    تراث وإبداع.. سفر في رحاب الكلمة الشاعرة..    الدرك يطيح ببارون مهلوسات    النيران تلتهم مسكنا بتمالوس    610 تعدٍّ على شبكات الكهرباء والغاز    أوتشا يعلن عن نفاد جميع مخزوناته الإغاثية في قطاع غزة    أوبرا الجزائر: افتتاح الطبعة ال13 للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة النقابية المستقلة والواقع الإقتصادي
نشر في الفجر يوم 16 - 03 - 2014

تتقاسم الساحة الاجتماعية اليوم ببلادنا مجموعة من التنظيمات النقابية المستقلة، تحولت في فترة وجيزة إلى قوة طليعية في النضال من أجل تحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للعمال، فإذا استثنينا نقابة الصحة والنقابة الوطنية المستقلة لعمال الإدارة العمومية، نجد ستة تشكيلات نقابية مستقلة، تمثل التربية والتعليم والتكوين وهي:
الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، النقابة الوطنية لعمال التربية، النقابة الجزائرية لعمال التربية والتكوين، المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، النيابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي، المجلس الوطني للتعليم العالي.
الملاحظ أن هذه التنظيمات نشأت في قطاع التربية والتعليم والتكوين، وكذا لما تتمتع به القوى العاملة لهذا القطاع من وعي إجتماعي، لذلك لن نخرج من المدرسة لأنها ساحة المعركة للنصر أو الهزيمة.
تاريخيا ارتبطت نشأة الحركة النقابية الجزائرية بالحركة الوطنية والعمل الوطني، وبالتالي فليس للنقابات المستقلة حديثة النشأة أن تخجل من نشاطها، ولا من النتائج المحققة مهما كانت ضئيلة، وأن الحركة الاحتجاجية والمطلبية الأخيرة تندرج رأسا في النضال من أجل رفع مستوى العيش لمئات الآلاف من العمال وتعزيز الحريات النقابية، وهذا عمل وطني بالأساس، فبشرى للتنظيمات النقابية المستقلة التي تؤذن بالحرية، الحرية عن كل التنظيمات السياسية والإجتماعية التقليدية المتهالكة التي أصابتها الشيخوخة والعقم.
إن بروز النقابات المستقلة على سطح الحياة الاجتماعية يمكن أن يكون بديلا للتنظيمات النقابية البالية وللأحزاب السياسية الهلامية التي تعج بها الحياة اليومية.. تلك النقابات والأحزاب التي تحولت مع الأيام إلى مكاتب لاقتسام الريوع وتتصارع على المزايا، فاندحرت وانتحرت بعد أن كسرت السلطات عيون قياداتها بما أغدقت عليهم من نعم.
لقد دخلت التنظيمات النقابية المستقلة سلسلة الإضرابات التي بدأت عام 2003 دون صحيفة واحدة تنطق باسمهم، وتشرح انشغالاتهم ومطالبهم لعامة شعبنا، ودون صحف متعاطفة معهم، بل ومن بين العناوين الكبرى من حاول تسفيف المستقلين والتشكيك في نواياهم ومطالبهم، كما لم توفر لهم وسائل الإعلام الثقيلة أدنى المساحات لشرح مواقفهم.. إلا أن ذلك لم يحجب شيئا من صفتهم، واستبدلت النقابات المستقلة ذلك العجز بأن أدارت الحملات واللقاءات بنجاح، لكونها وجهت المعركة إلى هموم المعلمين والأساتذة والأسلاك المشتركة وكل يتامى قطاع التربية والتعليم والتكوين والإدارة التعليمية، ووضعوا الأيدي على انشغالات هؤلاء الناس الحقيقية، وجعلوا منها محاور لنقاشاتهم في مختلف التجمعات، فوجدت فئات اجتماعية كثيرة ضالتها في لهجة النقابات المستقلة وصدق نبراتها.
إن النقابيين المستقلين الذين قادوا إضرابات سنوات 2003 و 2004 و2009 و2011 و 2013 هم مجموعة متجانسة من المواطنين الذين بنوا مستقبلهم النقابي بجهودهم، إنهم يقاسمون عامة الناس حياتهم، بعيدا عن التنظيمات النقابية والحزبية المنقطعة عن واقع المجتمع ومعاناة غالبيته.
إننا على يقين أن التجربة استهوت شرائح واسعة من عمال أغلب القطاعات الأخرى، خاصة الشباب منهم، لكونهم وجدوا في أسلوب وشعارات المستقلين ما يزيل الأثقال عن صدورهم، وأن العمل النقابي عمل شريف إن كان خالصا لوجه النضال من أجل الدفاع على المصالح المادية والمعنوية للعمال.
خاضت التنظيمات النقابية المستقلة المعركة بوسائلها الخاصة وبطروحات لا تختلف في شيء عن انشغالات أغلب الفئات الاجتماعية، أكثرها بعيدا عن الزيف والتضليل، فأفرز ذلك هوية منسجمة مع هوية غالبية عمال القطاعات الأخرى، لا وعود كاذبة ولا طمع ولا إرهاب فيها.
توجهوا إلى منخريطهم وغيرهم فخاطبوهم بخطاب بعيد عن صفة الزعامة والمنبرية، وإنما طرحوا قضايا الوقت الراهن التي تشغل الرأي العام كمشكل الحريات النقابية والقدرة الشرائية ومشاكل الإسكان والضمان الاجتماعي والتقاعد والقوانين الخاصة لمختلف الأسلاك .
إن ما يزيد من حظوظ النقابات المستقلة في النصر، هو رفضهم لمغازلة الإدارة وتصديهم للضغوط ومحاولات تقسيمهم وخلق نقابات موازية صفراء، بإغراء قيادتها بمناصب في الإدارات المركزية والمؤسسات الخارجية التابعة لها .
لقد حققت التنظيمات النقابية المستقلة انتصارات هامة، خاصة تلك التي مست الأجور، رغم أن تلك الزيادات المحققة التهمتها سياسات الترقيع الاقتصادي وموجات الغلاء الفاحش واستولى عليها أباطرة التهريب والمضاربة والسمسرة من جيوب أصحابها.
إن ميلاد الحركة النقابية المستقلة لم يأتي هكذا طفرة واحدة، بل إن الإرهاصات الأولى لظهور التنظيمات المستقلة جاء رويدا رويدا، وأن بعث نقابات مستقلة خامر جيلا كاملا من المعلمين والأساتذة، وذلك بعد وفاة الرئيس بومدين، وبعد أن تنكر المحيطون به لسياسته الوطنية وأن أقرب المقربين منه كشروا عن أنيابهم وقضوا على كل منجزاته، ونسفوا كل المكاسب الشعبية والقيم الوطنية، وحلت الأجهزة البيروقراطية محل كل المؤسسات الوطنية والشعبية.. ونتذكر كيف بادر التنظيم السياسي البيروقراطي الوحيد وتوابعه من تنظيمات جماهيرية آنذاك إلى النفخ في صورة النظام الجديد ورفع مثقفوه شعارات ”من أجل حياة أفضل” ”والعمل والصرامة لضمان المستقبل”، فحصلت تغيرات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية للسلطة بعد عمليات تصفية متتابعة لأهم العناصر الوطنية المتمسكة بخط بومدين الوطني المرتبط بالقطاع العام أساسا.
إن السياسات الاقتصادية المنتهجة منذ التحول المشؤوم الذي بشرت به السلطات، وخاصة بعد الأحداث الدامية في أكتوبر 1988، كالتنازل عن أملاك الدولة بالدينار الرمزي وغلق مئات المؤسسات الاقتصادية وتسريح مئات الآلاف من العمال وإلغاء رقابة الدولة على الأسعار ورفع الدعم التدريجي على المواد الواسعة الاستهلاك، كان لذلك كله الأثر السيء على جيوش العمال الذين وجدوا أنفسهم دون تنظيم نقابي حقيقي يتبنى مشاكلهم ويدافع عنها، ولاحظوا حالة الاسترخاء تدب في مفاصل كل القوى الوطنية والاجتماعية فخفت نغمة النقد، واضمحلت المعارضة واندثرت المواقف المبدئية وامتلأت الساحة بالقوى المتهالكة وأبواقها وأدواتها، فأصدرت السلطات أكثر التشريعات تخلفا وأخطرها على العمال عامة وعلى عمال التربية والتعليم والتكوين على وجه الخصوص.
سنحت الفرصة بعدها للفئات اللبيرالية والكمبرادورية والطفيلية للتحكم في رقاب خلق الله، حيث عمدت إلى كل أشكال التبذير وتحويل الأموال وقمع الحريات وشراء الذمم. قادت تلك الزمر الفئات المحظوظة من المجتمع إلى النزوع إلى التصرفات الاستعراضية، خصوصا الاستعراض الاستهلاكي في صيغ يغلب عليها طابع التبجح والخيلاء على فقراء الناس، وهكذا أصبحت فئات واسعة من الأثرياء الجدد أسرى المظاهر، ومن ضمنها العزوف عن المدارس العمومية واللهث وراء المدارس الخاصة بغض النظر عن نوعية التعليم ولغة التعليم وطرقه.
لقد عرفت مدارسنا مظاهر المعاناة لأعداد هائلة من التلاميذ والشباب، حيث أصبحت المؤسسات التعليمية مبعث للملل والإحساس بعدم الجدوى وتحولت العملية التربوية والتعليمية من أداة للترقية الاجتماعية إلى أجهزة لتضييع الوقت والتيهان، فلاذت أعداد كثيرة من الطلاب إلى الممارسات التي ”تنسيهم” الواقع المؤلم، كالخمر والمخدرات وعقاقير الهلوسة و”الحرڤة”. لقد مهد ذلك النظام إلى مرحلة جديدة، وعشنا عشرية الدم بكل أحاسيسنا لأن العنف كان مدمرا، مذهلا في شدته واجتياحه لكل القيم والأعراف، مفاجئا حتى لأكثر الناس تمسكا بالدين، ودفع المعلمون والأساتذة وإطارات التربية والتعليم ثمنا باهضا، هكذا جزافا لا لسبب.
ثم دخلنا مرحلة أخرى هي مرحلة الاستبداد، حيث تم إلغاء كل المجالس الاستشارية كالمجلس الأعلى للشباب والمجلس الأعلى للتربية، وغيرها من منابر الحوار والتشاور. وعم الفساد والإفلاس ومس كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، والاستبداد ظلمة ساترة انطمست في عتمتها ضمائر أناس كثيرون وتبارت الأقوام حول من هو أكثرهم اختلاسا، فانفجرت أكبر عمليات الفساد المالي لتمس كبد الاقتصاد الوطني وتنزل تدريجيا إلى لقمة عيش المعوزين لتجثم على عنق التضامن والضمان وقفة رمضان.
في هذه العشرية اتسعت الهوة أكثر بين فقراء الوطن والمعلمون على رأسهم وبين الفئات الطفيلية وتجار لحوم الحمير وبطاطا الخنازير والأدوية الفاسدة وسماسرة المقاولات، فإن يشقى المعلمون في العملية التربوية المضنية فإن شرائح واسعة تجني الأرباح بأسهل الطرق وأسرعها وأكثرها انحرافا، فأدت تلك الأزمة إلى أزمات أخرى وشكلت فيما بينها حلقة مفرغة تطوق الإقتصاد الوطني وتجعله يستقر في عمق التخلف والتبعية.
ومن أخطر هذه الأزمات أزمة البطالة، وخاصة بطالة خريجي الجامعات ومعاهد التكوين، هذا الاحتياطي الهائل من اليد العاملة المؤهلة التي وجدت فيه وزارة التربية وغيرها من الوزارات ملاذا تهدد به التنظيمات النقابية كعمل مشين مخالف للقوانين، تلجأ إليه السلطات لتكسير الإضرابات وإفشال الحركات الاحتجاجية بتوظيفهم أثناء الإضرابات.
لا يخفى على أغلب الإطارات النقابية أن جهود التنمية فشلت، وزادت تبعيتنا للاقتصاد العالمي، وأن عمليات تفكيك النسيج الصناعي الذي أقمناه في السبعينات ها نحن ندفع ثمنه اليوم من دمائنا.
إن المبشرين باقتصاد السوق فشلوا فشلا ذريعا لأن هذه المغامرة لم تؤد إلى نمط جديد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مخالفا للنمط الذي أقامه الرئيس الراحل. وإن الأيام القادمة تنذر بسحق أكبر عدد ممكن من تلك الطبقة، لكون بلادنا مرشحة لأن يصبح عدد السكان فيها عام 2025 نسبة 50 مليون نسمة، حسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للتنمية ومكتب العمل الدولي، وبالتالي فإن حجم اليد العاملة سيعادل نسبة 3% سنويا، أي على الدولة أن توفر مليوني منصب عمل جديد بشكل متوسط إلى نهاية العقد الحالي لمواجهة جيوش العاطلين وتوفير حجرات الدراسة وفق المعايير الدولية .
النتيجة أنه على الجزائر أن توفر 150 مليار دولار بين سنوات 2013 و2025 إذا أرادت أن تقدر التكاليف الاستثمارية المطلوبة لتوفير فرص العمل اللازمة، ويكون نصيب قطاع التربية والتعليم والتكوين ربع ذلك المبلغ دون احتساب الطوارئ، ودون اعتبار للنمو السلبي الذي دخلته بلادنا منذ عام 2000، حيث تذهب غالبية العمليات الاستثمارية إلى قطاعات غير منتجة كشق الطرقات وبناء الجسور والعمارة بصفة عامة، أو على الأقل تلك التي يتأجل مردودها.
عامل آخر مهم لابد من وضعه في الحساب، خاصة من جانب الفئات المتنورة من الإطارات النقابية المستقلة، وهي مشكلة الأمن الغذائي، حيث تراجع هذا المؤشر في بلادنا بشكل ينذر بانفجار مهول، لكون معالجة الموضوع تقدم المنطلق الأمني وليس الاقتصادي.
إن مجمل الخطوات المتخذة في المجال الاقتصادي والمالي تحكمها إجراءات ارتجالية دون تخطيط ودون تروي، وظهر أن كل السياسات المنتهجة تصب في خانة التخفيض الضريبي وتقديم الإعفاءات، ومساعدة القطاع الخاص الذي تنكر بدوره لأي عمل استثماري، وفي الأخير أجهزت عليه سياسة الاستيراد العشوائية فكانت النتائج تراجع الدولة في الكثير من قراراتها بعد أن تجلت الازدواجية في مركز اتخاذ القرار الاقتصادي.
في هذا المناخ المتميز بهدم المنظومة التربوية ومقوماتها ومناهجها نشأت الحركة النقابية المستقلة وتنتظرها اليوم تحديات أخرى أكثر إيلاما، حيث ستعرف الأيام القادمة بعد الإنتخابات الرئاسية مباشرة صدور قانون العمل الجديد الذي تشير النذر أنه سيصادر المتبقي من مكاسب الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، والتضييق أكثر على ممارسة الحقوق النقابية وحق الإضراب. أضف إلى ذلك تحدي مساعي السلطات لخلق نقابات صفراء ومدها بالمال لتنشط على حساب النقابات المستقلة.
إن عدم التفكير في تحضير البلاد لما بعد النفط وعدم الإهتمام وبالتزايد السكاني المفرط ينم على ضحاله في فكر القائمين على الشأن العام، نحن نعتقد أن السبب الرئيسي يكمن في أن الجميع لم تفرزهم صناديق الإقتراع وبالتالي فليكن الطوفان بعدهم.
إن لانتشار ظاهرة المدارس الحرة كأكشاك لبيع الجاهز وإقامتها كظهير لسياسات الترقيع التعليمي سوف يؤثر على فكرة تأمين القدر الكافي من التعليم لجميع المواطنين بدون تمييز، ويخلق نوع من الفروقات في نوعيته، هذه المبادئ التي أقرتها أمرية 1976، والتي ألغتها سياسات أولوية توحيد المآزر وعدم الإحاطة بواقع التربية والتعليم ومسيرته الوطنية.
كما أن لعملية إغراق الجامعات بجيوش الطلبة دون تقييم حقيقي لقدراتهم ومستوياتهم من شأنه أن يقضي على القواعد المادية والروحية التي أقيم عليها نظامنا التربوي برمته ويؤجج نار الاحتجاجات على المقاعد البيداغوجية واستيعاب الإقامات الجامعية لجيوش الطلاب الجدد الذين لا يتوفرون على أدنى القواعد التي تؤهلهم للتعليم العالي.
ليس للنقابات المستقلة حلفاء سوى أفراد شعبنا، فبعد عمليات إفراغ كل القوى السياسية والإبقاء في الساحة على تنظيمات مشوهة في برامجها، فاقدة للمصداقية، حولتها الإدارة إلى أجهزة لا تصلح إلا للمساندة والمسيرات ”العفوية” وتزكية سياسة الانبطاح وتموقعت كلها في الوسط، والوسط كما نعرفه هو قوى لا تعبر عن مصالح طبقية أصيلة في المجتمع وإنما لفيف من الانتهازيين يتشكل من تآكل اليمين واليسار ليؤسس قوة توفيقية تلفيقية براغماتية لا يمكن أن تحسم في أي قضية من قضايا الوطن المصيرية والدليل تحركاتها ”الدونكيشوتية” مرة تصحيحية وأخرى تقويمية وتآمرات ”علمية” وغيرها، رافضة لإدانة الاستعمار، وهكذا تتحرك بالإيعاز وحسب ما تمليه المصالح الشخصية، فبوجودها انتفى وجود نقيض يملك ردة فعل لأي انحراف يمس المال العام وأرزاق الناس.
لا ننسى أن جبهة التحرير، وبقيادة التصحيحيين الجدد، ساهمت بل قادت عملية تخريب المنظومة التربوية باستغلال شهر ابن باديس لتغيير البرامج وإلغاء تخصص الشريعة الإسلامية ومحاولة إنزال اللغة الفرنسية من الرابعة إلى الثانية إبتدائي وفرنسة المصطلاحات الرياضية والفيزيائية، لكون وزراء الأفلان كانوا الأغلبية في مجلس الوزراء الذي مرر تلك ”لإصلاحات” في الجلسة المنعقدة يوم 30 أفريل 2003.
إن ما يسمى حزب العمال لا يخرج من الوسط ليغرق أكثر في النفاق السياسي، لقد عملت قيادة هذا الحزب على إفشال اشتراكية بومدين لعقد بأكمله، وترشحت قيادته للإنتخابات الرئاسية لعام 2009 تملقا رغم علمها أن نتائج الإنتخابات محسومة مسبقا. إن هذه القيادة ستحتفل بعد أشهر بمرور 30 سنة على رأس هذا التنظيم الباهت، إنها الدكتاتورية السادرة في أتم معانيها.
لا مفر إذا للتنظيمات النقابية المستقلة أن تجمع شتاتها بالانضواء في تنظيم فدرالي أو كونفدرالي يجمع كل عمال قطاع التربية والتعليم والتكوين دون إقصاء وعند الحاجة تشكيل قيادات احتياطية خلال الإضرابات تحسبا لضرب رموزها، ورفض كل أنواع الاحتواء وكل أشكال التبعية وتدعيم العلاقات مع الشرائح الواسعة من عمال القطاعات الأخرى. وأن تبتعد عن إحتفاليات الثلاثية التي لا تعني سواء تبادل الإنتخاب والهراء وقبض الريح، السعي إلى البرلمان وكل المؤسسات الاستشارية كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالرغم من أنه تحول بعد قطع رأسه إلى طبل فارغ، وذلك للمبادرة بالتشريع وتكريس الرقابة بالمشاركة في الانتخابات ضمن قوائم مستقلة ومرشحين أحرار بغرض فرض وجهة نظرهم. تأسيس صناديق للطوارئ لمواجهة الإستقطاعات من مرتبات المضربين والتفكير في إستثمار إشتراكات العمال والهبات في مشاريع إنتاجية وتعاونية.
إن الرهان بين أيدي العناصر الشابة المنضوية تحت ألوية العمل النقابي المستقل، هذه العناصر التي أفرزها النظام التعليمي الحالي ولم تعش مرحلة الكفاح التي تحولت بعد الإستقلال إلى منافسة محمومة على المال والمنافع، فأصغر سن تلك العناصر ولثقافتها الجديدة بإمكانها استيعاب الافكار الجديدة التي تجعلها ترفض وهم الشرعية الثورية والحاكم الخالد المتسلط والبيروقراطية الحزبية والإدارية.
ما أحوجنا لرجل مثل عمر بن الخطاب في هذه الظروف المغمورة بالرزايا والصراعات والاستبداد، إننا ننتظر رجلا من بين التنظيمات النقابية الرافعة لراية الحرية، رجل من بين الناس المستضعفين في الأرض يسعى لإخراجنا مما نحن فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.