تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية.. وزارة الخارجية تتخذ ترتيبات لتحسين الخدمات القنصلية للجالية الوطنية بالخارج    القضاء على إرهابي وتوقيف 21 عنصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    البزار: لا مؤشرات بقرب انتهاء الحرب على غزة لأن الكيان الصهيوني محاط بحماية أمريكا    محمد عباد: المجتمع المدني مطالب بتكثيف جهوده للحفاظ على الذاكرة الوطنية    المغرب: وقفة احتجاجية غدا الخميس أمام محكمة القنيطرة تزامنا مع محاكمة الناشط الحقوقي والإعلامي الحيرش    ذكرى 8 مايو 1945: انطلاق من العاصمة لقافلة شبانية لتجوب 19 ولاية لزيارة المجاهدين والمواقع التاريخية    حوادث الطرقات: وفاة 38 شخصا وإصابة 1474 آخرين خلال أسبوع    انطلاق اليوم الأربعاء عملية الحجز الالكتروني للغرف للحجاج المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    تثمين الموروث التاريخي أكبر ضمان لتحصين الأمة وتمتين صلتها بوطنها    رئيس الجمهورية يأمر بإعداد مخطط حول البيئة والعمران يعيد النظر في نظام فرز وتوزيع النفايات    رئيس الجمهورية: رفع معاشات ومنح المتقاعدين نابع من اعتراف وتقدير الدولة لمجهودات أبنائها من العمال    وفد من وكالة الفضاء الأمريكية يزور جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين    بدعوة من الجزائر, مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة مشاورات مغلقة حول المقابر الجماعية في غزة    غرداية : تنفيذ تمرين بحث وانقاذ لطائرة في حالة نجدة    الجيش الوطني الشعبي: زيارة موجهة لفائدة الصحفيين بمدرسة أشبال الأمة ببجاية    خلال اجتماع اللجنة المشتركة: تأكيد على ضرورة تكثيف التعاون الجمركي بين الجزائر وتونس    تحذيرات من كارثة إنسانية جراء هذه الخطوة    أطلقتها مديرية الحماية المدنية: قافلة لتحسيس الفلاحين بطرق الوقاية من الحرائق    باتنة: الدرك يطيح بعصابة سرقة المنازل بمنعة    القمة الإفريقية حول الأسمدة بنيروبي: رئيس الجمهورية يبرز الدور الريادي للجزائر في مجال الأسمدة عالميا    على هامش لقاء سوسطارة والكناري حسينة يصرح: ملفنا قوي و"التاس" ستنصفنا    بسبب نهائي كأس الرّابطة للرديف: رقيق وعويسي خارج حسابات مدرب وفاق سطيف    استراتيجية جديدة للتعليم والتكوين عن بُعد السنة المقبلة    دور ريادي للجزائر في تموين السوق الدولية بالأسمدة    اتفاقية بين ألنفط و إيكينور    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    وفاة الأسيرة الصهيونية "جودي فانشتاين"    تكريم الفائزين في مسابقة رمضان    مشروع مبتكر لكاشف عن الغاز مربوط بنظام إنذار مبكر    قسنطينة تستعد لاستقبال مصانع التركيب    دعوات دولية لإتمام اتفاق وقف القتال    16 موزعا الكترونيا جديدا لتحسين الخدمة قريبا    تأكيد على دور حاضنات الأعمال في تطوير المؤسسات الناشئة    هذه مسؤولية الأندية في التصدى لظاهرة العنف    زعماء المقاومة الشّعبية..قوّة السّيف وحكمة القلم    دخول 3 رياضيّين جزائريّين المنافسة اليوم    دريس مسعود وأمينة بلقاضي في دائرة التّأهّل المباشر للأولمبياد    الحجز الإلكتروني للغرف بفنادق مكة ينطلق اليوم    حجام يتألق في سويسرا ويقترب من دوري الأبطال    الأهلي المصري يرفع عرضه لضم بلعيد    ترحيل 141 عائلة من "حوش الصنابي" بسيدي الشحمي    بن رحمة هداف مجددا مع ليون    تبسة : ملتقى وطني حول تطبيق الحوكمة في المؤسسات الصحية    طرح تجربة المقاهي ودورها في إثراء المشهد الثقافي    فيلم سن الغزال الفلسطيني في مهرجان كان السينمائي    دعوة إلى تسجيل مشروع ترميم متحف الفسيفساء بتيمقاد    تفكيك جماعة إجرامية مختصة في السرقة    دعوة لإعادة النظر في تخصص تأهيل الأطفال    مطالب ملحّة بترميم القصور والحمّامات والمباني القديمة    صيد يبدع في "طقس هادئ"    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    هول كرب الميزان    بن طالب يبرز جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة لدى فئة الشباب    وزير الاتّصال يكرّم إعلاميين بارزين    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عماد مغنية خطط وكان وراء عملية التنفيذ من لبنان
شهادة حيّة تُذكر لأول مرة لوسيلة إعلامية عن اختطاف الطائرة الأمريكية TWA

بعد وفاته وسقوط حق التحفّظ، قرر الضابط السامي المتقاعد بالمخابرات الجزائرية، الحاج محمد الطاهر، ولأول مرة الحديث بصراحة وبكل حرية عن حقيقة عملية خطف الطائرة الأمريكية twa سنة 1984، من طرف جماعة الشهيد عماد مغنية، والتي كانت تطلق على نفسها "المضطهدون في الأرض" التابعة لحزب الله، حقائق وشهادة تذكر من طرف شخص كان على اتصال بمغنية، لأول مرة لوسيلة إعلامية في العالم، كونه كان شاهدا مباشرا وطرفا أساسيا وعنصر الفاعل والصانع للحدث المباشر على أرض الواقع.
المكان: وسط بيروت في بناية نصف مهدمة من القصف.
الزمان: 1984. التوقيت الواحدة إلى الثانية (زوالا) في رمضان.
السياق: صراع عربي إسرائيلي محتدم، وحرب أهلية مدمّرة، وساحة لإدارة موازين القوى.
الشخصية ضابط سام في المخابرات الجزائرية.
الحدث لقاء مع الشخصية اللغز عماد مغنية، الذي ظل مطلوبا للمخابرات الأمريكية وللعدالة في دول عديدة أخرى لأكثر من عقدين، وارتفعت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، قيمة الجائزة المرصودة لمن يدل عليه من 5 إلى 25 مليون دولار.
الموضوع: اختطاف طائرة ركاب أمريكية.
كانت الأجواء في المنطقة مشحونة حد الانفجار. وكان رذاذ الحرب يتطاير في كل الجهات ويلسع، ومعه رذاذ الأفكار والاتجاهات والحركات والجماعات والكل يسعى.. والكل يضرب.. والكل ينشد الانتصار لأهدافه. ولم يكن في الغالب، أحد بعيدا عن لسعات النار المشتعلة تلك، فالجميع منخرط بشكل من الأشكال، ومتورط بقدر ما في قضية بحجم العالم تجمّعت خيوطها لإدارة الصراع على مسرح بلد صغير بحجم لبنان. انزلقت باتجاهه الحركات الفلسطينية من الأردن، بعد أحداث أيلول/ سبتمبر الموصوف بالأسود سنة 1970. فأصبح مطمعا للكيان الصهيوني وهدفا لضرباته بحجّة ملاحقة عناصر المقاومة الفلسطينية (ومعها المقاومة اللبنانية) والرد على هجماتها. وتحت هذا الغطاء تم اجتياح لبنان عام 1982 واحتلال جنوبه، وفي هذه الأثناء وقعت مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا مخلّفة حسب التقديرات نحو 3500 قتيل.
كان لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، يغلي لبنانيا على وقع حربه الأهلية، ولبنانيا عالميا كساحة خصبة للصراع العربي الإسرائيلي وتفاعلاته، وساحة لإدارة موازين القوى الإقليمية والعالمية بمختلف لاعبيها. وفي فورة هذا الغليان، لم تكن الجزائر بعيدة عن ساح الصراع، فقد سجلت منذ إعلان استقلالها التزامها بمناصرة حركات التحرر في مختلف أنحاء المعمورة، ودعمها سياسيا وماديا وعسكريا، وكان هذا الدافع والمبرر. وعلى هذا النحو كانت مواقفها من قضايا عديدة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وارتبط حضورها بمختلف أطوار الصراع العربي الإسرائيلي بمستوياته العسكرية والسياسية. ولم تأل جهدا في دعم أجنحة المقاومة الفلسطينية، وظلّت على نفس المسافة من كل منها تحافظ على دعمها. وعندما ظهرت المقاومة اللبنانية، لم تحد عن دورها، وإن كان هذا الدور قد تضاءل بعد أحداث 5 أكتوبر 1988، وانشغال الجزائر بدوامة صراعها الداخلي في تسعينيات القرن الماضي.
في بداية سنوات 1980، كانت شخصية الجزائر قد وصلت للتو إلى لبنان، بعد أن أنهت مهمتها في ليبيا ودورها في قضية الصحراء الغربية، وبدأت تمد جسورها مع مختلف حركات المقاومة على أراضيه، واستطاعت أن تكسب احترامها باعتبار سابقتها الجهادية في ثورة التحرير وصدى الجزائر الثوري في ذلك الوقت. وقد دفعت ثمن هذا التواصل مع مختلف حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والمكانة التي احتلتها لدى قيادييها، بأن تعرضت إلى العديد من محاولات التصفية، إحداها كانت تفجير المصعد الذي كانت ستستخدمه نزولا من مكتب وكالة الأنباء الجزائرية ببيروت، بعد زيارتها لصديقها وأمين سرها مدير مكتب الوكالة عبد المجيد بن حديد. ولكنها تمكنت وسط الأخطار المحدقة، من لعب أدوار وساطية مكّنت لها، وساعدت على حل مشاكل ونزاعات، وأنقذت أرواحا خاصة من الرهائن الأجنبية.
الضابط السامي في المخابرات الجزائرية، المجاهد الحاج محمد الطاهر، المعروف بنضاله لدعم حركات التحرر في العالم. كانت هذه صفته الرسمية وواجبه المهني، ولكن أيضا قناعاته الشخصية وإيمانه الراسخ بحق الشعوب المضطهدة في الدفاع عن كرامتها، والنضال لاسترجاع حريتها من مغتصبيها.
ساهم الحاج محمد الطاهر، في إحدى وساطاته، بتكليف رسمي جاء على إثر طلب الولايات المتحدة الأمريكية، من الجزائر التدخل لدى الخاطفين، في تحرير ثلاثة رهائن من بين أربعة احتجزهم تنظيم "المضطهدون في الأرض". يذكر الحاج محمد الطاهر، في لقاء ل"السلام" أنه تنقل إلى بيروت بطلب من مسؤوله الأمني لكحل عياط، للتوسط في إطلاق سراح الرهائن. فاتصل بأمين عام حركة فتح، وبقياديين في حركة أمل وتوصل إلى شباب التنظيم المسؤول عن الاختطاف وأقنعهم بقبول وساطة الجزائر، وأسفرت هذه الوساطة عن إطلاق سراح ثلاثة رهائن.
في البداية "أقنعتهم بالعمل لمصلحة إطلاق سراح اثنين من المختطفين على الأقل، كدليل إثبات لحسن النية من شأنه أن يخدم ويعرّف بقضية المختطفين لدى الرأي العام الأمريكي. وبالفعل، أطلق سراح اثنين من المحتجزين وقد ساهما في التعريف بالتنظيم وأهدافه من خلال تصريحاتهما لوسائل الإعلام. وكان ذلك في صالح التنظيم على المستوى السياسي، خاصة بعد إطلاق سراح المحتجز الثالث. وقد ساهمنا في إطلاق ثلاثة محتجزين من بين أربعة".
كان مكسب الخاطفين في هذه العملية إعلاميا وسياسيا فحسب، لكن مطالبهم بانسحاب العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية، وإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين لديه لم تتحقق، ولعل هذا حسب الحاج محمد الطاهر هو سبب لجوء التنظيم لاحقا، إلى اختطاف طائرة ركاب أمريكية سيكون لمحدثنا دور في مجرياتها أيضا.
لم تكن ظاهرة اختطاف الطائرات في تلك الحقبة حديثة، فقد كانت لها جذور تاريخية تعود إلى 21 فيفري1931، عندما استولت جماعة بيروفية متمردة تدعى التحالف الشعبي للثورة الأمريكية على طائرة مدنية واستخدمتها لإلقاء منشورات سياسية، وانتهت العملية بالقبض على الخاطفين. ولكن أشهر عمليات القرصنة الجوية المنظمة في التاريخ قادتها دولة دستورية عظمى كان ضحيتها قادة الثورة الجزائرية: أحمد بن بلا، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد، ومحمد بضياف وبرفقتهم الصحفي الجزائري مصطفى الأشرف، عندما كانوا متجهين من المغرب إلى تونس بتاريخ 22 أكتوبر 1956.
واستمرت ظاهرة القرصنة الجوية بعد ذلك، ولأسباب سياسية تتعلق غالبا بالهروب وطلب اللجوء السياسي. لكن الظاهرة عرفت منعطفا هاما بعد أن دخلت حركات المقاومة الفلسطينية على الخط، واستثمرت الظاهرة في تبادل الرهائن مقابل أسراها في السجون الإسرائيلية والأوروبية والأمريكية. ورغم أن الفكرة سبق إليها الكيان الصهيوني نفسه في 12 ديسمبر 1954، عندما أجبر طائرة مدنية سورية كانت متوجهة من دمشق إلى القاهرة على النزول في مطار اللد الإسرائيلي، بنية احتجاز ركابها كرهائن بغرض الضغط على سوريا لإطلاق سراح جنود إسرائيليين محتجزين لديها، إلا أن عمليات تحويل مسار الطائرات المدنية في الشرق الأوسط، وتبادل رهائنها بالأسرى ارتبطت بحركات المقاومة الفلسطينية وتحديدا الجبهة الشعبية ثاني أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية بعد حركة فتح.
سجلت الجزائر تحويل بعض الطائرات المختطفة إلى أراضيها، وكانت البداية عام 1968 بطائرة العال الإسرائيلية.
وفي أوت 1969 قامت ليلى خالد، المعروفة بالاسم الحركي شادية أبو غزالة، وهو اسم أول شهيدة فلسطينية بعد حرب 1967، بتحويل مسار طائرة العال الإسرائيلية إلى سورية، ثم شاركت في خطف طائرة أمريكية تابعة لشركة TWA أقلعت من روما، وكان من المقرر أن يكون على متنها إسحاق رابين قبل أن يغير الطائرة، وفي 06 سبتمبر 1970، قامت في لندن، بمحاولة اختطاف طائرة أخرى تابعة لشركة العال الإسرائيلية، لكن المحاولة كانت فاشلة وألقي عليها القبض قبل أن يفرج عنها بعد 28 يوما فقط، في عملية تبادل مع رهائن طائرة أخرى اختطفها زملاؤها في المقاومة الفلسطينية، وفي السنة نفسها حوّل فدائيون فلسطينيون طائريتين مدنيتين إحداهما سويسرية والأخرى أمريكية. ودمرت طائرة جامبو أمريكية في القاهرة بعد هبوطها بقليل، واستمرت عمليات الخطف لتحقيق الهدف نفسه، ويتعلق في الغالب بالتعريف بالقضية الفلسطينية لدى الرأي العام العالمي، وتحسيس المجتمع الدولي بمشكلة أسرى المقاومة والضغط لإطلاق سراحهم.
في لقاء معه، الضابط السامي في المخابرات الجزائرية الحاج محمد الطاهر يكشف لأول مرة:
عماد مغنية طلب مساعدة الجزائر في خطف الطائرة الأمريكية TWA
الحاج لمغنية: كثوري أعدك بأن شبابكم لن يسلّموا إلى العدو
لاحظت عبارة "حزب الله" مكتوبة بخط صغير جدا قبل أن يظهر نشاط التنظيم
في إحدى محاولات تصفيتي فجر المصعد الذي كنت سأستخدمه للنزول
الولايات المتحدة طلبت من الجزائر التدخل لتحرير مخطوفيها
ساهمنا في إطلاق ثلاثة محتجزين من بين أربعة
توقفت أمام بناية نصف مهدمة من القصف وحدست أن وراءها أمر ما
ترجلت من السيارة وسألت عن الأخ عماد
بدت على مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائرية مظاهر الاضطراب
مغنية للحاج: إسرائيل ستسقط الطائرة بخاطفيها ومخطوفيها ولا نريد قتل الناس
للتاريخ أقول إنني لم أبلّغ لدى عودتي إلى الجزائر عما أسرّ لي به عماد مغنية
الحاج للمغنية: رسميا مرفوض الإتيان بالطائرة المخطوفة إلى الجزائر
لم تكن إذا، في ثمانينيات القرن الماضي، عمليات تحويل الطائرات المدنية بدعة، وفي هذه الأثناء كان الحاج محمد الطاهر، في زيارة للتواصل مع الحركات النشطة على الساحة اللبنانية، فكان عليه أن يلتقي "الأخ الشهيد عماد مغنية". ترك له "خبرا" عند سماحة السيد محمد حسين فضل الله، وانتظر نحو أسبوع دون أن يأتيه رد، وكان موقع الحاج محمد الطاهر، معروف ففي الظروف العادية يقيم في فندق "سمرلند"، وعندما يتردى الوضع الأمني يقصد مبنى السفارة الجزائرية. ولم يكن مطلعا على نشاطه سوى صديقه مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائرية ببيروت، عبد المجيد بن حديد فهو أمين سره، وهو من كان عليه تبليغ السلطات الجزائرية في حال أصاب صديقه أي مكروه. انتظر الحاج محمد الطاهر، أن تصله إشارة للقاء عماد مغنية لكن الأمر تأخر، وفي إحدى المرات يقول الضابط السامي في المخابرات الجزائرية، إنه خرج للتجول في سيارة صديقه عبد المجيد بن حديد، وكان الوقت بين الواحدة والثانية زوالا في شهر الصيام. وبينما هما كذلك، إذ مرا ببناية نصف مهدمة من القصف الإسرائيلي وعند مدخلها شاب يحمل سلاح "كلاشينكوف". ولاحظ الحاج محمد الطاهر، مكتوب على البناية بحروف جد صغيرة عبارة "حزب الله" ولم يكن وقتها "حزب الله" قد ظهر نشاطه كتنظيم جديد في ساحة المقاومة اللبنانية. لفتت العبارة انتباه الحاج فاستشعر بحسه الثوري وحدسه المخابراتي أمرا ما، فتوقف قصدا أمام الشاب الحامل لسلاحه، والجميع كان مسلحا في تلك الفترة ببيروت باستثناء "الدولة"، فترجل من السيارة وترك صديقه عبد المجيد بن حديد فيها، وألقى السلام على الشاب وتعمّد الحديث إليه باللهجة الجزائرية سائلا إياه عن "الأخ عماد" إن كان موجودا. فرد الشاب باستغراب: "عفوا، مين مين؟". فأجابه الحاج محمد الطاهر: "عماد مغنية". فرد الشاب ثانية: "عفوا، لا أعرفه". فاعتذر الحاج وتركه متجها نحو السيارة. وبينما هو كذلك إذ نادى عليه أن توقف. فتوقف الحاج واستدار إليه. ثم نادى الشاب زميلا له كان داخل البناية فأقبل الأخير على الحاج فرحب به "بأدب وكانت مظاهر الوعي السياسي بادية عليه"، ثم سأله من يكون. فذكر له الحاج محمد الطاهر اسمه، ثم سأله عن هويته، فرد الحاج بكونه جزائريا، فسبقت جزائريته الثورية شخصيته، ودعاه وصديقه بن حديد إلى غرفة بين الركام داخل البناية كانت تضم سلاحا مخبأ من نوع (ميم باد). وخلال ساعة من الانتظار طمأن الحاج محمد الطاهر، رفيقه مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائرية ببيروت، عبد المجيد بن حديد، الذي بدت عليه مظاهر الاضطراب، وقال له إن وصول اسمه لأي من مسؤولي فدائيي المقاومة كفيل بأن يجنّبهما أي أذى أو مكروه.
بعد نحو ساعة من الانتظار بين الركام وأثار الحرق، وصل عماد مغنية، واعتذر من الحاج محمد الطاهر عن طبيعة المكان. فقال له الأخير أنه مستعد أن يذهب معه إلى السجن ولكن يفضّل أن يتحدثا في مكان آخر. فاتجهوا إلى مكان قريب. ولكن في الطريق أسر عماد مغنية للحاج وهما يسيران جنبا إلى جنب، ومن خلفهما عبد المجيد بن حديد: "لدينا مهمة فهل من الممكن أن تساعدنا فيها؟". فرد الحاج محمد الطاهر، بالإيجاب إذا كانت المهمة في صالح المقاومة اللبنانية، وكان بمقدوره تحقيق المساعدة.
وهنا أفصح عماد مغنية عن طبيعة المهمة: "نريد خطف طائرة أمريكية لتحرير مئات من أسرى المقاومة لدى الكيان الصهيوني". فتساءل الحاج محمد الطاهر، عن سبب خطف طائرة أمريكية إذا كان الأسرى محتجزين في سجون الكيان الصهيوني. لم يتأخر عماد مغنية في الرد: "أنت تعرف ونحن نعرف أن أمريكا هي الجهة الوحيدة التي يمكنها الضغط على إسرائيل". فسأله الحاج محمد الطاهر: "إذا كنت قد أعددت للمهمة فلماذا لا توجه الطائرة المخطوفة إلى إسرائيل؟". فأجابه عماد مغنية: "تحرينا عن هذا، ووجدنا أن إسرائيل بمجرد دخول الطائرة المخطوفة أجواءها ستسقطها بخاطفيها ومخطوفيها ولا نريد قتل الناس".
يقول محدثنا الضابط السامي في جهاز المخابرات الجزائرية، إنه بمجرد سماعه حديث المرحوم الشهيد عماد مغنية، وانطلاقا من تجربته في التنظيم السري للثورة رد عليه بالتالي: "أنا مبعوث رسمي من الدولة الجزائرية، وبناء على هذه الصفة أرد على طلبك رسميا بلا. مرفوض الإتيان بالطائرة المخطوفة إلى الجزائر. ولكن كحاج محمد الطاهر المجاهد الثوري، أعدك بأنه في حال نفذتم مهمتكم وجلبتم الطائرة إلى الجزائر، وكنت على قيد الحياة ولم تقتلوا أي رهينة، بأن شبابكم لن يسلّموا إلى العدو".
بعد اللقاء يقول الحاج محمد الطاهر، إنه كان مضطرا إلى إخبار صديقه عبد المجيد بن حديد، بما دار بينه وبين الشهيد عماد مغنية للضرورة، "ولكنني وأقولها للتاريخ، عندما عدت إلى الجزائر لم أبلغ بالموضوع".
عندما اغتيل عماد فايز مغنية، في تفجير سيارته بالعاصمة السورية دمشق بحي كرفوسة عام 2008، وصفت نشرات الأخبار الإسرائيلية الحدث: "بتصفية أخطر إرهابي في الشرق الأوسط منذ 30 سنة". وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن "العالم بات أفضل دونه". ونقلت وسائل الإعلام أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، استقبل مدير الموساد في بيت إجازته في الجليل يوم دفن المرحوم عماد مغنية وأثنى عليه. ورغم أن إسرائيل نفت تورطها في اغتياله إلا أن اعترافات جاسوسها إياد يوسف نعيم، على التلفزيون الرسمي السوري بتاريخ: 17 سبتمبر 2011، أكدت أن الموساد بالتعاون مع جهاز مخابراتي عربي يقف وراء الاغتيال.
كان عماد مغنية، وقت اغتياله على رأس المقاومة الإسلامية أي الذراع العسكري ل"حزب الله". وكان قبلها مطلوبا للعدالة في أكثر من جهة دولية. ولد بتاريخ 07. 12. 1962. بدأ نضاله في صفوف حركة فتح الفلسطينية، وانتهى به المطاف أعلى قائد عسكري لحزب الله.
وهذا يعني أنه كان شابا في العشرينيات من عمره وقت لقائه بالضابط السامي في المخابرات الجزائرية الحاج محمد الطاهر، بداية الثمانينيات من القرن الآفل. ولكن نجمه كان لامعا على لائحة المطلوبين لأمريكا وفرنسا بعد أن قاد ثلاث عمليات مدوية عام 1983 هي: تفجير السفارة الأمريكية في بيروت مخلفا 63 قتيلا أمريكيا. وتفجير مقر قوات المارينز في بيروت مخلفا 241 قتيل أمريكي. وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع مخلفا 58 قتيلا فرنسيا.
وفي 14 جوان 1985، كان عماد مغنية ينجز مهمته التي أسر بها للحاج محمد الطاهر. كانت طائرة TWA الأمريكية تقلع في العاشرة وعشر دقائق صباحا من مطار العاصمة اليونانية أثينا متجهة إلى العاصمة الإيطالية روما، وعلى متنها 153 راكب. بعد استواء الطائرة في السماء في رحلتها رقم 847 تم تحويل اتجاهها نحو العاصمة اللبنانية بيروت. وهناك بقيت الطائرة راسية نحو 19 ساعة، وتم خلال ذلك تبادل عدد من الرهائن مقابل التزود بالوقود. وأقلعت الطائرة نحو وجهتها الجديدة لتحط بمطار الجزائر.
ترقبوا في الأسبوع القادم الجزء الثاني...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.